ومن المفسرين من جعل اليسر في الجملة الأولى يسر الدنيا وفي الجملة الثانية يسر الآخرة وأسلوب الكلام العربي لا يساعد عليه لأنه متمحض لكون الثانية تأكيداً. هذا وقول النبي صلى الله عليه وسلم «لن يغلب عسر يسرين» قد ارتبط لفظه ومعناه بهذه الآية. وصُرح في بعض رواياته بأنه قرأ هذه الآية حينئذ وتضافر المفسّرون على انتزاع ذلك منها فوجب التعرض لذلك ، وشاع بين أهل العلم أن ذلك مستفاد من تعريف كلمة العسر وإعادتها معرفة ومن تنكير كملة «يسر» وإعادتها منكَّرة ، وقالوا: إن اللفظ النكرة إذا أعيد نكرة فالثاني غير الأول وإذا أعيد اللفظ معرفة فالثاني عين الأول كقوله تعالى: { كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول} [ المزمل: 15 ، 16]. ثق.. اطمئن.. فإن اليسر دائمًا يأتي بعد العسر. وبناء كلامهم على قاعدة إعادة النكرة معرفة خطأ لأن تلك القاعدة في إعادة النكرة معرفة لا في إعادة المعرفة معرفة وهي خاصة بالتعريف بلام العهد دون لام الجنس ، وهي أيضاً في إعادة اللفظ في جملة أخرى والذي في الآية ليس بإعادة لفظ في كلام ثان بل هي تكرير للجملة الأولى ، فلا ينبغي الالتفات إلى هذا المأخذ ، وقد أبطله من قبل أبو علي الحسين الجرجاني في كتاب «النظم» كما في «معالم التنزيل».
حكم ربانية: واعلم عزيزي المسلم أن الله جل وعلا لا يقضي للمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له، كما بين النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم في الحديث: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابه ضر صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن». والله جل وعلا يقول: « وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ » (البقرة: 216). لربما يختبرك الله بالقليل، ليسمع صوتك تناجيه، أو لربما يريد أن يجذبك إليه بعد أن كنت تسير في اتجاه آخر، أو تشكره وأنت مشغول طوال الوقت بالانغماس في حياتك وتنسى شكر العاطي المانح. قال تعالى: «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ » (سبأ: 13)، ذلك أن من سننه سبحانه وتعالى في خلقه، أنه جعل -ولاشك في ذلك أبدًا- مع العسر يسرًا، فهذا وعد إلهي لا يمكن أن يبدله المولى عز وجل أبدًا، لقد ذكر الله ذلك في كتابه. سيجعل الله بعد عسر يسرا. قال تبارك وتعالى: « سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا » (الطلاق: 7)، وعد صريح لا يحتاج لأي التفاف أبدًا. وجاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه: «لو كان العسر في جحر لتبعه اليسر، حتى يدخل فيه فيخرجه، ولن يغلب عسر يسرين».
أنت نور الله فجرا جئت بعد العسر يسرا ربنا.... - YouTube
وطائفة تنجو من هذه الكروب وهي الطائفة التي ملأ الإيمان قلوب أفرادها, فغطت حلاوة الإيمان في قلوبهم مرارة تلك الكروب, قال الإمام النووي رحمه الله: حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق في الدين وإيثار ذلك على أعراض الدنيا. "
تفسير اية ان بعد العسر يسر تفسير و معاني اليات خاصة معني ان مع العسر يسر كما تنسجم مع صنوف الابتلاء الذي هو شرعة الحياة و ميسمها العام و ربما بثت هذي الاية الامل فنفوس الصحابة رضوان الله عليهم حيث راوا فتكرارها توكيدا لوعود الله عز و جل بتحسن الاحوال فقال ابن مسعود لو كان العسر فجحر لطلبة اليسر حتي يدخل عليه و ذكر بعض اهل اللغة ان العسر معرف بال و يسرا منكر و ان العرب اذا اعادت ذكر المعرفة كانت عين الاولي و اذا اعادت النكرة فكانت الثانية =غير الاولى [1] و خرجوا على ذلك قول ابن عباس لن يغلب عسر يسرين [2].
وروى ابن أبي حاتم والبزار في «مُسنده» عن عائذِ بن شريح قال: سمعت أنس بن مالك يقول: «كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً وحياله حَجَر ، فقال: لو جاء العسر فدخل هذا الحَجَر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيُخرجه فأنزل الله عز وجل: { فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً}. قال البزار: لا نعلم رواه عن أنس إلا عائذ بن شريح قال ابن كثير: وقد قال أبو حاتم الرازي: في حديث عائذ بن شريح ضعف. وروى ابن جرير مثله عن ابن مسعود موقوفاً ، ويجوز أن تكون جملة: { فإن مع العسر يسراً} معترضة بين جملة { ورفعنا لك ذكرك} [ الشرح: 4] وجملة: { فإذا فرغت فانصب} [ الشرح: 7] تنبيهاً على أن الله لطيف بعباده فقدر أن لا يخلو عسر من مخالطة يسر وأنه لولا ذلك لهلك الناس قال تعالى { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة} [ النحل: 61]. وروي عن ابن عباس: يقول الله تعالى خلقت عسراً واحداً وخلقت يسرين ولن يغلب عسر يسرين ا ه. والعسر: المشقة في تحصيل المرغوب والعمللِ المقصود. واليسر ضده وهو: سهولة تحصيل المرغوب وعدم التعب فيه. وجملة: { إن مع العسر يسراً} مؤكدة لجملة: { فإن مع العسر يسراً} وفائدة هذا التأكيد تحقيق اطراد هذا الوعد وتعميمه لأنه خبر عجيب.