قصة السخرية الدائبة التي تتناول الأقدار تلك الإنسانية المسكينة. هذه أسرة تفر من هول الغارات وخطر الموت من حي إلى حي. فما تغادر هذا الحي الآمن! إلا وقد أصابها الموت في أنضر زهرة وأقوم عود! وهذا رجل شاخ قلبه، وانطوى على نفسه، وآوى إلى يأس مرير ولكنه هادئ ساكن. فما يلبث القدر أن يثير في قلبه إعصاراً على غير أوان، ويزيح الركام عن البذور المطمورة في قلبه الهرم، ليعود فجأة فيقصف الأعواد التي تنبت في بطئ وحذر يقصفها في قسوة عابثة، وبيد أحب الناس إليه: شقيقه وربيبه! ولو قد أمهله بضعة أيام لانتهى إلى الواحة الممرعة بعد طول الجدب في الصحراء. ولو قد تقدم به أياما لأعفاه من إضافة تجربة فاشلة إلى تجاربه المريرة! وهذا شاب مستهتر عابث، ما يكاد الحب يقومه، ويعبث فيه الجد والمبالاة حتى يخطفه الموت، الذي لم يخطفه أيام العبث والاستهتار! والأرض تدور، الزمن يمضي، والناس يقطعون الطريق المجهول كأن لم يكن شيء مما كان: رفاق الشاب في قوتهم يقامرون ويعربدون، وأصحاب الرجل في (غرزتهم) يدخنون أو في قهوتهم يتندرون. والقدر الساخر من وراء الجميع لا يبدو عليه حتى مظهر الجد في سخريته المريرة. مجلة الرسالة/العدد 152/النقد الأدبي - ويكي مصدر. والمؤلف نفسه لا يكاد يلتفت إلى الدائرة الوسيعة التي تنتهي إليها قصته لأنه يلقى انتباهه كله إلى إدارة الحوادث ورسم الشخصيات!!!
سيد قطب
وكتابه عن القضايا الكبرى في الإسلام يبدأ بعصر الرسول فيصور مؤثرات المنافقين، وقذف عائشة وطلاق زينب، ويتحدث عن مجرمي الحرب في فتح مكة. وإذا هزني حديث الإفك فجعلت أتململ على مثل النار لما اعترى عائشة من الحزن يوم ذاك، فإني ليهزني ذكر الخوارج الصلاب الشداد، وقد وقفوا يوم التحكيم مثل أسود لا تخدعها الثعالب، فراحو يهتفون: لا حكم إلا الله. حتى إذا انحدرت في قراءة هذا الكتاب إلى عصر بني أمية والمروانيين راعني مقتل سعيد بن جبير. إذ يعرضه الأستاذ الصعيدي أذهب مذهباً يخالفه في أمر سعيد بن حبير، فإن قلق الحجاج كان لا يزال يعاود خيالي فأنصوره وقد قتل أزهد عالم في الإسلام، وأوعى فقيه من التابعين لعلوم الدين. مجلة الرسالة/العدد 650/على هامش النقد - ويكي مصدر. ثم أتصور هبوبه من نومه فزعاً مرتاعاً يصيح في خدمه وحشمة في قطع من الليل منبهر الأنفاس، يخيف الحراس فيقول صائحاً: - لقد رأيت في المنام ابن جبير يقول لي: كيف قتلتني يا حجاج وكأنه كان يأخذ بعنقي ليخنقني. لكن المؤلف مد بيانه، وبرهانه، إلى رأيي فبدل ما كنت أذهب إليه من مذاهب في شأن ابن جبير، فلقد أفسدت السياسة علم هذا الحنيف كان والياً على عطاء الجند سنة ثمانين من الهجرة في جيش جهزه الحجاج لغزو رتبيل ملك الترك مما وراء النهر بعد فارس.
وولى عليه عبد الرحمن بن الأشعث الكندي. فلما توغل عبد الرحمن في بلاد وطاع له العباد اجترأ على الحجاج فحلع طاعته وطاهرة على ذلك ابن جبير، وكان ابن الأشعث الكندي خواناً حين ارتد على المسلمين يقاتلهم ويسد عضد أعدائهم يوم الفتح. وقد جرت حروب بين لبن الأشعث والحجاج أزهقت من المسلمين نفوساً كثيرة لو صرفها أصحابها إلى الفتوح لأوغلوا في البلاد. وانتهت هذه الحروب بظفر الحجاج، فأمكنه الله من سعيد بن جبير بعد أن نقض العهد وبايع لبن الأشعث، ففتله بعد أن حاكمه، وكان خصمه وحكمه. محمد بن راشد آل مكتوم - ويكي الاقتباس. ويختم المؤلف على العصر الأموي بخاتم البحث، ليفتح باب العصر العباسي على مصراعيه كما يفتح باب المحكمة عن بهوها الكبير وحكامها الجبابرة، فأدخل على القضايا العباسية الكبرى. وكنت أوثر لأدب، فيجتذبني بشار بن برد إلى قضيته، فأشهد محاكمته مع الزنادقة في عهد الخليفة المهدي. وقد كان المؤلف أشبه عندي بالمدعي العام، يصور للمحكمة جرم المتهمين حسب رأيه ووفق نظريته، ثم يحملهم على غوارب الحكم حملاً. وهاهنا لم يجتذبني المؤلف ولم يغير من رأيي في مقتل بشار فلقد راح بجمع النصوص من شعر بشار، وأخبار الزنادقة وشرطة الملحدين الذين كانوا مكلفين بالتتبع يحملون أخبار العقول والألسنة إلى الخليفة، وقد صنع المؤلف كل ذلك ليهيئ الحكم على الشاعر بأنه قتل من أجل هجائه وفحشه أو بسبب زندقته وإلحاده.
ولعل من الحق حين أتحدث عن قصة (خان الخليلي) أن أقول: إنها لم تنبت فجأة، فقد سبقتها قصة مماثلة، تصور حياة أسرة وتجعل حياة المجتمع في فترة حرب إطار للصورة... تلك هي قصة (عودة الروح) لتوفيق الحكيم. ولكن من الحق أيضاً أن أقرر أن الملامح المصرية الخالصة في (خان الخليلي) أوضح وأقوى، ففي (عودة الروح) ظلال فرنسية شتى. وألمع ما في عودة الروح هو الإلتماعات الذهنية والقضايا الفكرية بجانب استعراضاتها الواقعية؛ أما (خان الخليلي)؛ فأفضل ما فيها هو بساطة الحياة، وواقعية العرض، ودقة التحليل. وقد نجت (خان الخليلي) من الاستطرادات الطويلة في: (عودة الروح). فكل نقط الدائرة فيها مشدودة برباط وثيق إلى محورها. من مهارات النقد الحكم والتقويم. وكل رجائي ألا تكون هذه الكلمات مثيرة لغرور المؤلف الشاب، فما يزال أمامه الكثير لتركيز شخصيته والاهتداء إلى خصائصه، واتخاذ أسلوب فني معين توسم به أعماله، وطابع ذاتي خاص تعرف به طريقته، وفلسفته حياة ذلك تؤثر في اتجاهه. وبعض هذه الخصائص قد أخذ في البروز والوضوح في قصصه السابقة وفي هذه القصة؛ وهي الدقة والصبر في رسم الخوالج والمشاعر وتسجيل الانفعالات المتوالية، والبساطة والوضوح في رسم صورة لحياة أبطاله. والبقية تأتي إن شاء الله!
على الإنسان دائماً أن يسعى للخروج من القفص الذي يقيده. ليس من المهم في أي منصبٍ أنت لكن المهم ما تقوم به وما تقدمه. يجب على المرء ألا يتطلع إلى الألقاب والمناصب، بل عليه أن يتطلع إلى الإنجازات. إن تحقيق الازدهار يتطلب تحرير الإعلام من القيود والقوانين والممارسات لينطلق بمزيدٍ من الحرية والاستقلالية والإبداع. الجمال هو مصدر للإلهام سواء في قصائدي أو حياتي بشكلٍ عام. الهدف واضح والطريق ممهد والساعة تدق، لا مجال للتردد، كثيرون يتكلمون ونحن ننجز. نحن نتقبل النقد، لأنه ربما يدلنا على الصواب، نعم، أنا أميل للحزم ولكن لست متشدداً، فأنا حازم في مصلحة الناس والبلد. كل قصائدي نتيجة تجربة شخصية أو موقف حدث، ولم يسبق أن كتبت أي بيت من الشعر من دون أن يكون من واقع تجربتي الحياتية. الفروسية ليست مجرد ركوب الخيل، بل هي أصالة وسلوك، ولقد ولدت على حب الخيل. الأولويات عندي للعمل وما يتطلبه من التزامات، ولكنني أحرص على التنظيم لأنه عامل أساس في نجاح الإنسان. من أراد أن يتقدم عليه النظر دائماً إلى الأمام. على الإنسان أن يكون دائماً عملياً وواقعياً ومتفائلاً. إن الحرية أمانة ومسؤولية. أنا أؤمن وأتطلع إلى المستقبل، وأريد منكم جميعاً أن يكون لديكم الإيمان نفسه بالمستقبل، وأن نعمل جميعاً على صناعته بإرادتنا وإيماننا.