وكان يدعو الله تعالى أن يغفر له بالدعاء المشهور: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين". النجاة من بطن الحوت كان لدعوة يونس عليه السلام وتسبيحه في بطن الحوت أثر عظيم في توبة الله عليه، وإخراجه من بطن الحوت. قصه النبي يونس فيديو. فقد روي عن أنس رضي الله عنه: "إن يونس النبي عليه الصلاة والسلام حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت، فقال: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فأقبلت الدعوة تحن بالعرش، قالت الملائكة: يا رب هذا صوت ضعيف معروف من بلاد بعيدة غريبة، فقال الله تعالى: أما تعرفون ذلك قالوا: يا رب ومن هو؟ قال عز وجل: هذا عبدي يونس قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يُرفع له عمل متقبل، ودعوة مستجابة، قالوا: يا رب او لا ترحم ما كان يصنع في الرخاء، فتنجيه في البلاء، قال: بلى، فأمر الحوت فطحه بالعراء". فنزل يونس عليه السلام على الشاطيء وهو شديد الضعف، يشبه الصبي حين يولد في ضعفه ورقة جلده وهزاله، فأنبت الله عليه شجرة اليقطين، ليتغطى بورقها من الذباب، ويتغذى منها. يونس عليه السلام يسلم على قومه ورد كذلك أن يونس لما خرج بعد ذلك في أرض الله قابل غلامًا من قومه، فطلب منه أن يسلم عليهم، فطلب الغلام منه بينةً حتى لا يتهمونه بالكذب بعد أن كانوا قد تيقنوا هلاكه، فأخبره بأنه ستشهد له الشجرة والبقعة التي كانا فيها، فعاد إلى قومه وأخبرهم، فاتهموه بالكذب وهما بقتله، فأخبرهم بأمر الشجرة والبقعة، فلما أتوا إليها خاطبهما قائلًا: نشدتكما بالله، هل أشهدكما يونس، قالتا: نعم.
[١٠] [٨] دروس وعبر من قصة نبي الله يونس الدروس والعبر التي يمكن للمسلم الاستفادة منها من قصَة نبيِّ الله يونس -عليه السلام- كثيرة، وسنذكر بعضها فيما يأتي: [١١] الصبر يستفيد المسلم بالأخص الدَّاعية إلى الله -سبحانه وتعالى- أهمية التّحلّي بالصَّبر تجاه مصاعب الدَّعوة ومهامها؛ فالأنبياء -عليهم السلام- لاقوا أشدَّ الصُّعوبات والعوائق في سبيل طريق الحقِّ ودعوة الناس إلى الخير، فما كان منهم إلَّا الصَّبر، ناظرين إلى الجزاء العظيم الذي أعده الله -تعالى- لهم في الحياة الآخرة. وتميز أنبياء الله -سبحانه وتعالى- بصبرهم على مهام الدعوة، فلبث سيدنا نوح -عليه السلام- في قومه ألف سنةٍ إلَّا خمسين عاماً يدعوهم إلى الهدى ودين الحق، ولم يؤمن معه إلّا القليل منهم، ونبيُّ الله إبراهيم -عليه السلام- الذي أُلقي في النَّار، واستجاب للرؤية التي رآها في منامه بذبح ابنه اسماعيل؛ فأكرمه الله -تعالى- بكبشٍ عظيمٍ مقابل صبره وتسليمه لأمره. أهميّة الذكر يظهر هذا جليًّا حينما دعى يونس -عليه السلام- وهو في بطن الحوت، فكان الذكر سبباً لقبول توبته، وإخراجه من بطن الحوت، وتفريج همِّه، فيُسحب للمسلم الحرص على اللجوء إلى الله -تعالى- بالذِّكر والدُّعاء؛ لتفريج همِّه وتحقيق مراده، قال الله -تعالى-: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ).
كانَ مِن رحمةِ الله أنّ الشاطئ خالٍ من الصُّخورِ وإلا لتَمزَّقَ بَدَنُ يونس. يونسُ الآنَ في غايةِ الضَّعف، جِسمُه مُشبَعٌ بالمياه. كانَ سيدُنا يونسُ مُنهَكَ القُوى ظامِئاً. كان يَموتُ من العَطَش.. أنّه لا يستطيعُ الحَركة يحتاجُ إلى استراحةٍ مُطلَقةٍ في الظِّلِّ، ولكنْ ماذا يفعلُ وهو وحيدٌ على الرمال ؟! اللهُ سبحانه أنَبتَ عليهِ شَجرةً مِن يَقْطين. استَظلَّ سيدُنا يونسُ بأوراقِ اليقطينِ العرَيضة، وراحَ يأكُلُ على مَهْلٍ من ثِمارِها.. إنّ مِن خَواصِّ اليَقطينِ احتواءه على مَوادَّ تُفيدُ في تَرميمِ الجِلدِ وتَقويةِ البَدَن. ومِن خَواصِّه أنّه يَمنَعُ عنه الذُّبابَ الذي لا يَقرَبُ هذهِ الشجرة. وهكذا شاءَ اللهُ سبحانه أن يَنجُوَ يونسُ من بَطنِ الحُوت، وأن يُدرِكَ سيدنُا يونسُ أنّ الله هو القادرُ على كلِّ شيء، هو الرحمنُ الرحيم. استعادَ سيدُنا يونسُ صِحَّتَه وعادَ إلى مدينتهِ نَينوى. وفَرِحَ سيدُنا يونسُ عندما رأى أهلَ نَينوى يَستقبلونَهُ وهم فَرحونَ برحمةِ الله.. لقد آمَنَ الجميعُ، فكشَفَ اللهُ عَنهمُ العذاب.. قصة نبي الله يونس عليه السلام. الأطفالُ يَلعبَون، والرِّجالُ يَعملون، والمَواشي تَرعى في المُروجِ بسلام.. إنّها نعمةُ الإيمانِ بالله الذي وَهَبَ الإنسانَ الحياة.
قال الشاعر: وَلَرُبَّ نَازِلَةٍ يَضِيقُ بِهَا الفَتَى ذَرْعًا وَعِنْدَ اللهِ مِنْهَا المَخْرَجُ ضَاقَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلَقُاتُهَا فُرِجَتْ وَكَانَ يَظُنُّهَا لاَ تُفْرَجُ ثانيًا: أن تقوى الله نجاة للعبد في الدُّنيا والآخرة؛ ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143، 144]، وقال - سبحانه -: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وقال - تعالى -: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 72]. ثالثًا: استجابة الله لدعاء المؤمن؛ فإن يونس لما دعا ربَّه والتجأ إليه، كشف الله عنه هذه الغُمَّة، قال - تعالى -: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88]، وقال - تعالى -: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62]. روى الترمذي في سننه من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوةُ ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كنتُ من الظالمين، فإنه لم يدْعُ بها رجلٌ مسلم في شيء قط، إلا استجاب الله له)) [1].
[٦] توبة قوم ذي النون لما وقع العذاب في أهل نينوى بعد الوقت الذي أخبرهم به سيدنا يونس -عليه السلام- وهو ثلاثة أيام، أحاطهم ووقع فوق رؤوسهم كقطع الليل المُظلم، فبدأوا يبحثون عن نبيهم يونس -عليه السلام- وقد علموا صدق ما أنبأهم به، فلم يجدوه، ففكروا بأن يجتمعوا ويعلنوا التوبة إلى الله -سبحانه- فهو المُنّجي من العذاب. [٩] وخرجوا بنسائهم وأطفالهم وشيوخهم وحيواناتهم، إلى تلٍ من التلال، وبدأوا بالتذلل إليه -سبحانه- وإظهار الندامة على فعلهم، وارتفعت أصواتهم بالنحيب والدعاء والرجاء، حتى استشفعت لهم الملائكة، فقبل الله منهم توبتهم، وآمن منهم عدد كبير، [٩] وقال الله -سبحانه- فيهم: (فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ). [١٠] العبر المستفادة من قصة ذي النون يمكننا تلخيص العديد من الدروس والعبر المستفادة من هذه القصة العظيمة، نذكر بعضها فيما يأتي: الصبر على الابتلاء وعلى المحن العسيرة يجلب الرحمة والفرج الواسع. قصه النبي يونس مختصره. عاقبة التكذيب لأمر الله ووعده -سبحانه- وخيمةٌ.