قلت: رفعُ الإشكال بالأثر هو قرة عيون أهل الأثر، خاصة وهو جارٍ على الأصول؛ لأن غالب الخلق لِرَحم المال والسلطان وَصول، ألم تسمع الله تعالى يخبر عن أهل الشمال حسرتهم قائلين: {ما أَغْنَى عَنِّي مالِيَه. هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَه}. ولو تأمَّلتَ فتنةَ الحركات الإسلامية - فضلاً عن غيرها - لوجدتَها مجموعة في هاتين النعرتين: تصوُّرُ أن خيريَّة أمة على أخرى تابعة لخيريَّة حكّامها، أو وفرة اقتصادها؛ ألا ترى أن أكثرهم لا يرُدّون من عرش الملك يَدَ لامِس، ولو كانت طَماعة من ديمقراطية الوساوس! وآخرين يرون أن عودة عزّ المسلمين مرهونة بالتفوق الحضاري، ولذلك لا يبْرَحون عليه عاكفين! وهذا يبيِّن لك سرّ عناية ابن مسعود بمعالجتهما دون غيرهما، وتالله إنه لفقه النفس الذي فتح الله به عليه، فلْتعرف ـ أخا الإسلام ـ للسلف فضلهم، واستمسك بغرزهم تسترح من شبهات بُنَيّات الطريق. وأخيراً: إلى العلم! يا من ينشد عز الإسلام، فعن تميم الداري قال: تطاول الناس في البناء في زمن عمر، فقال عمر: " يا معشر العريب! من قال هلك الناس فهو أهلكهم. الأرضَ الأرضَ! إنه لا إسلام إلا بجماعة، ولاجماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة، فمن سوَّده قومه على الفقه كان حياة له ولهم، ومن سوَّده قومه على غير فقه كان هلاكاً له ولهم "(3).
وهذا الحديث قد رواه الطبراني ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وغير واحد مطولا جدا. والغرض منه أنه دل على أن هذه الزلزلة كائنة قبل يوم الساعة ، وأضيفت إلى الساعة لقربها منها ، كما يقال: أشراط الساعة ، ونحو ذلك ، والله أعلم. وقال آخرون: بل ذلك هول وفزع وزلزال وبلبال ، كائن يوم القيامة في العرصات ، بعد القيامة من القبور. واختار ذلك ابن جرير.
انتهى. وفي هذا المعنى قال أبو الدرداء رضي الله عنه: لن يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس كلهم في ذات الله ، ثم يعود إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً. فـ يا أمتي لستِ عقيمة = ما زلت قادرة على الإنجابِ
وعن الحسن قال: " كانوا يقولون: موت العالم ثُلْمة في الإسلام لا يَسُدُّها شيء ما اختلف الليل والنهار "(4). وعن هلال بن خباب قال: سألت سعيد بن جبير قلت: يا أبا عبد الله! ما علامة هلاك الناس؟ قال: " إذا هلك علماؤهم "(5)................................................................................................................................................................................................................. (1) لفظ » الصحيحين «: » خير الناس قرني... ما علامة هلاك الناس؟ إذا هلك علماؤهم!. «، وقد أشار الشيخ الألباني في تعليقه على » التنكيل « للمعلِّمي (2/223) إلى أنه لا أصل للفظ الذي ساقه الحافظ هنا. (2) » الفتح « (13/ 21) والأثر صحيح؛ رواه الفسوي كما في آخر » المعرفة والتاريخ « (3/393) له، وابن عبد البر في » جامع بيان العلم وفضله « (2/136) وغيرهما. (3) رواه الدارمي رقم (241). (4) المصدر السابق رقم (324) وفي » شرح السنة « للبغوي أنه من قول ابن مسعود. (5) المصدر السابق رقم (251). -من كتاب ( مدارك النظر).