الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون). وقبل أن أحاول فك الاشتباك بين الابتلاء والعقوبة نقف عند بعض ما ورد في الكتاب والسنة من نصوص عن العقوبة، قال صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليحرم الرزق بذنبه يصيبه" أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وقوله أيضا: "والله ما اختلاج عرق ولا عثرة قدم ولا نسيان علم إلا بذنب" إلى آخر النصوص الكثيرة في هذا الباب. إذن كيف يتسنى للإنسان أن يحاول أن يعرف ما يقع من مصائب في حياته، هل هي عقوبة أم ابتلاء؟. وإذا نظرنا إلى قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: "لو نودي يوم القيامة أنه لن يدخل النار إلا واحد لظننت أنه عمر، ولو نودي أنه لن يدخل الجنة إلا واحد لظننت عمر"، فما علاقة ذلك بالابتلاء والعقوبة؟ تبين لنا تلك المقولة أن لدى عمر رضي الله عنه "رجاء عظيم في رحمته" يجعله لا ينفك أن يكون من أهل الجنة، وأن لديه أيضا خوف من الله، يجعله لا ينفك أن يعتبر نفسه واحد من أهل النار. ما هو اصعب انواع الابتلاء و كيف يكون الابتلاء في الدين - كيف يكون الابتلاء في النفس - معلومة. فمن هذا المنطلق، نقول إذا كان العبد على معصية وأدركته بعد ذلك مصيبة في نفسه وأهله، فإن ما حدث هو من آثار المعصية، كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: شكوت إلى وكيع سوء حفظي... فأرشـــدني إلى تلك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نـــــــــور... ونور الله لا يعطـــــــى لعاص أما إذا كان الإنسان على طاعة وقرب من الله عز وجل، ثم وقعت له مصيبة، في نفسه أو أهله، فإن هذا يكون من باب الابتلاء والاختبار.
كما أوضحنا غاية الابتلاء بالنعم هو حصول الشكر، فمن يشكر الله يزده من نعمه ويرضى عنه، وعلى النقيض من يجحد بنعم الله، يأتيه غضبه من حيث لا يدري، كقصة صاحب الجنتين، حيث أتاه الله ثروة كبيرة، فاذهلته ونسي شكر الله عليها فتحولت هذه النعمة التي انعم الله عليه بها إلى ابتلاء، لظنه أنها نعمة باقية لن تفنى، ولكن أتى غضب الله عليه فتحول الازدهار إلى بوار، حيث دمرت جنته، وكل هذا بسبب جحوده ونسيانه الشكر بعد النعم، ومن هنا، ظهر بوضوح أن أقوى أنواع الابتلاء هو المصاحب للعطاء. أما بالنسبة للابتلاء المصاحب بالمنع، فقصة سيدنا يعقوب وفقدانه لابنه يوسف هي أقوى مثال، حيث أظهر سيدنا يعقوب من الصبر على فقدانه إبنه ما لم يظهره غيره، ونتيجة لهذا الصبر الذي طال كثيرا ولم يشوبه أي جزع، أن جمعه الله بابنه يوسف وهو على ملك مصر، ومن هنا تحول هذا الابتلاء إلى نعمة. هل الابتلاء عقوبة إن ابتلاء الله لعباده ليس بالضرورة عقابًا لارتكاب إثم؛ بل هو امتحان من الله سبحانه وتعالى هدفه مكافأة الحسنات ومغفرة للسيئات، أو قد يكون للعبد مكان ما في الجنة لا يحققه بعمله المعتاد، لأن هذه الدرجة أعلى وأعلى من درجة عمله، فيبتليه الله، وينال هذه الدرجة بعد ابتلاءه من الله وجزاء لصبره.
ويمكننا أن نطبق ذلك على جميع حياتنا، ويدرك المرء أن ما يقع في حياته من آلام ومصائب قد يكون هو جزء لا يتجزأ منه، والحكم على فصلك من الجامعة وتركها مصيبة أم انفراج يحتاج إلى تفصيل أكثر حتى يكون حكمنا على بينة ووضوح. وختاما؛ نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وأن يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار،.. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم...