أرأيت كيف فرج الله للأمة بعد الهجرة وقد عاشت قبلها أحلك الظروف وأصعبها؟ وفي الأحزاب حيث بلغت القلوب الحناجر وظن الناس بعدها الظنون.. وعدٌ من الله تبارك وتعالى وهو لا يخلف الميعاد: { فَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً. إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5-6]. وإذا جاز تخلف وعود البشر و تبدل قوانينهم، فوعد الله لا يتخلف، وسنة الله لا تتبدل إنه وعد من الله سبحانه يتجاوز حدود الزمان والمكان، ولا يقف عند حدِّ من وما نزلت فيه الآيات. سيجعل الله بعد عسر يسرا - فهد بن عبد العزيز الشويرخ - طريق الإسلام. وقد فهم منها السلف هذا المعنى الواسع، فقالوا: "لن يغلب عسر يسرين". وقالوا: "لو كان العسر في جحر ضب لدخل عليه اليسر فأخرجه". إذا اشتملت على اليأس القلوب *** وضاق لما به الصدر الرحيبُ وأوطأت المكاره واطمأنت *** وأرست في أماكنها الخطوبُ ولم تر لانكشاف الضر وجهاً *** ولا أغنى بحيلته الأريبُ أتاك على قنوط منك غوثٌ *** يمن به اللطيف المستجيبُ وكل الحادثات إذا تناهت *** فموصول بها الفرج القريبُ بل يربط الله ذلك بالتقوى: { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [ الطلاق:4]. وسنة الله تبارك وتعالى أنه حين تشتد الأزمات وتتفاقم يأتي اليسر والفرج. أرأيت كيف فرج الله للأمة بعد الهجرة وقد عاشت قبلها أحلك الظروف وأصعبها؟ وفي الأحزاب حيث بلغت القلوب الحناجر وظن الناس بعدها الظنون، بعد ذلك كانت مقولة النبي صلى الله عليه وسلم وهي مقولة صدق: « الآن نغزوهم ولا يغزوننا » (رواه البخاري 4110).
ومع التقوى يأتي الإحسانُ في كل دروبِه؛ سواءٌ منه ما كان إحسانًا إلى النفس بالإقبال على الله تعالى والقيام بحقِّه سبحانه في توحيده وعبادته بصرفِ جميعِ أنواعِها له وحده سبحانه محبَّةً وخوفًا ورجاءً وتوكُّلاً وخضوعًا وخشوعًا وإخباتًا وصلاةً ونُسُكًا وزكاةً وصيامًا وذِكرًا وصدقةً؛ إذ هو مُقتضى شهادة أن لا إله إلا الله التي تعني: أنه لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، وتلك هي حقيقةُ التصديقِ بالحُسنى: ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) [الليل: 5- 7].
قال سبحانه وتعالى في سورة القمر آية 8: " مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ "، أي إنه يوم شديد الهول فهو عبوس وقمطرير، والمقصود في هذه الآية الكريمة أن يوم القيامة فيه شدة وصعوبة والكثير من الأهوال للكافرين. قال سبحانه وتعالى في سورة الطلاق آية 7: "سيجعل الله بعد عسر يسرا"، والمقصود أن الله عز وجل سيجعل للمطلق بعد الضيق غنى و سيجعل بعد الشدة سعة، وبعد الحزن والكرب الفرج. ما هو الماء اليسر وخصائصه | المرسال. قال سبحانه وتعالى في سورة الطلاق الآية 6: " وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ "، أي اختلف الرجل والمرأة، فقد طلبت المرأة أجرة الرضاع ولم يجبها الرجل إلى ذلك فإذا بذل الرجل قليلاً لم توافقه عليه فليسترضع له غيرها، فإن التعاسر في هذه الآية يتجلى في اختلاف الزوجين في أمر أجرة الرضاع. قال سبحانه وتعالى في سورة المدثر الآية 9: " فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِير "، والمقصود أن هذا اليوم هو يوم شديد وهو بمعنى قوله عز وجل: "هذا يوم عسر". قال سبحانه وتعالى في سورة الليل الآية 10: " فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ "، والعسرى في هذه الآية تعني جهنم وتقابل كلمة العسرى لكلمة اليسرى والتي يتجلى معناها بالجنة، وهكذا قال البغوي والقرطبي.
فكأنما كانت الفتاة تسمع تلك الآية لأول مرة ، فقد شعرت بعدها براحة غريبة وهدوء وسكينة تغمر قلبها ، وسألتها السيدة الطيبة عن سر بكائها ، فحكت الفتاة قصتها بلا حرج دون أن تخفي شيئا ، فقالت لها السيدة: إن الله قد يجعل بين كل عسرين يسرًا ، وأنتي الآن في العسر الذي سوف يليه اليسر ، وان ما حدث لها كان من فضل الله لأن في البلاء نعمه خفية لا ندركها إلا بعض انقضاء البلاء ورفعه. ارتاحت الفتاة كثيرا لكلام السيدة الطيبة ، وبعدها غادرت الحرم عائدة إلى الفندق وظلت حتى انتهت فترة العمرة وجاء موعد الرحيل ، وفي المطار كان في استقبالها صديقتها وزوجها الذي كان ينتظر هو الأخر صديق عائد معها على نفس الطائرة ، والغريب أنه نفس الشخص الذي كان في المقعد المجاور لها ، وبعد وصول الفتاة سلمت عليهم وانصرفت مع والدها ، وما إن وصلت إلى البيت حتى وجدت صديقتها تتصل بها وتخبرها بأن هذا الصديق يرغب في الزواج بها. وأخذت تنشد في خصاله وصفاته الأشعار هي وزوجها فقد كان رجل أعمال شاب من أسرة معروفة على خلق ودين ، ولم يجدوا أفضل منها يرشحانه للارتباط به ، ولم يمض على تلك المكالمة أيام الا وقد تقدم الشاب لخطبتها ، وبعدها تم الزواج ، وعاشت معه في سعادة كبيرة فقد كان حسن الطباع كريم الخلق ، ولما تأخر الحمل قلقت الفتاة وطلبت من زوجها أن تقوم بعمل الفحوصات لكنه احتضنها وقال لها أنه سعيد معها سواء أنجبت أم لم تنجب خاصة أنها قد قاربت الـ 38 من عمرها.