شرح حديث (من غشنا فليس منا) عن أبي هريرة: أن رسول الله مر على صبرة طعامٍ، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا، فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام؟))، قال: أصابته السماء يا رسول الله! قال: ((أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني))؛ رواه مسلم. أولًا: ترجمة راوي الحديث: أبو هريرة رضي الله عنه تقدمت ترجمته في الحديث الأول من كتاب الإيمان. الدرر السنية. ثانيًا: تخريج الحديث: الحديث أخرجه مسلم حديث (102)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه الترمذي في "كتاب البيوع" "باب ما جاء في كراهة الغش في البيوع" حديث (1315). ثالثًا: شرح ألفاظ الحديث: (صُبرة طعامٍ): صبرة بضم الصاد وإسكان الباء، قال الأزهري: الصبرة: الكومة المجموعة من الطعام. (صاحب الطعام)؛ أي: بائع الطعام. (أصابته السماء)؛ أي: المطر. رابعًا: من فوائد الحديث: الفائدة الأولى: في الحديث دلالة على تحريم الغش، وأنه من كبائر الذنوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من غش فليس مني)). الفائدة الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: ((فليس مني))، سبق الحديث عن معنى هذه العبارة في الحديث السابق، وأن كثيرًا من السلف لا يخوضون في تأويل مثل هذه الأحاديث؛ لتكون أزجر في قلوب الناس.
[٦] الغش التجاري هو الذي يتعدّى فيه الغاش على مال غيره، سواء كان مقدار الضرر كبيراً أو يسيراً؛ كالحصولِ على المال عن طريق الكذب، أو كتمان وإخفاء عيوب السلع والمنتجات، أو البخس في الميزان. الغش بالقول مثل الإدلاء بالشهادات والأقوال والمعلومات، أو الغِش بالقضاء وغيره، بشكل يُخالف الحقيقة ويُغيرها بهدف إلحاق الضرر بالعباد ظُلماً وزوراً، وهذا من أخطر أنواع الكذب؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ، ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ فَما زالَ يقولُها، حتَّى قُلتُ: لا يَسْكُتُ). من غشنا فليس من هنا. [٧] غش المسلم لأخيه المسلم بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم تقديم النصح والإرشاد وترك الحث على فعل الخيرات. من صور الغش في القرآن التطفيف من صور الغش في القرآن الكريم، إذ قال الله -تعالى-: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ*الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ*وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ). [٨] والتطفيف هو الإنقاص والبخس في الكيل والوزن. [٩] وهو صورة من صور الغش والخداع والإحتيال في المُعاملة، وقد توعّد الله -تبارك وتعالى- فاعله بالعذابِ الأليم في الدارالآخرة؛ وفي هذا دلالة على شدّة تحريمه وخطورته وقُبح خُلق فاعله.