وأورد ابن الجوزي شعراً: الصَّومُ جُنَّةُ أقوامٍ من النَّار.. والصَّوم حصنٌ لمَن يخشى من النَّار والصَّوم سِتر لأهل الخير كلِّهمُ.. الخائفين مِن الأوزار والعارِ فضائل الصيام في هذا الشهر الفضيل تهذيب النفوس والأرواح، ولأنّه مدعاة لتوطيد الأواصر بين الأهل والناس وبين الغني والفقير، فالإذعان لطاعة الله والإحساس بالجوع والعطش داع إلى الإحسان بالعطف تجاه الآخرين من ذي الخصاصة. وما أحسن ما قال أمير الشعراء أحمد شوقي في الصيام "الصوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع؛ لكلّ فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة؛ يستثير الشفقة، ويحضّ على الصدقة؛ يكسر الكبر، ويعلّم الصبر، ويسنُّ خلال البر، حتى إذا جاع من ألف الشبع، وحرم المترف أسباب المتع، عرف الحرمان كيف يقع، والجوع كيف ألمه إذا لذع". ولعظم آثار الصيام ورفعة منزلته بين العبادات لما فيه من تأديب للنفوس فإن الله تعالى تولَّى جزاءه بنفسه، وإذا تولَّى شيئا بنفسه دل على عظمه. حكم سب الله عمدا في النفس. وفي ذلك قال سفيان بن عيينة "هذا من أجود الأحاديث وأحكمها، إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمّل الله عز وجل ما بقي عليه من المظالم، ويدخله بالصّوم الجنة".
قال الداعية الإسلامي الدكتور عمرو خالد إن ممارسة الإحسان لا سقف لها؛ فكلما وصلت إلى منطقة هناك الأحسن، معتبرا أن أقوى منطقة تبين إبداع الإحسان بلا سقف هي حسن الخلق في معاملة الناس، بأن تخرج أفصل ما لديك معهم. رمضان.. شهر الجهاد والغفران - إيطاليا تلغراف - italielegraph. واستشهد خالد، في تاسع حلقات برنامجه الرمضاني "حياة الإحسان" الذي يذاع عبر قناته على موقع "يوتيوب"، بالعديد من الأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم حول حسن الخلق؛ ومنها قول النبي ﷺ: "أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة تقوى الله وحسن الخلق". لكنه بيّن أن "هناك فرقا بين حسن الخلق والالتزام بالأخلاق الأساسية؛ فهما شيئان مختلفان، هناك خلق أساس (دائرة الحلال والحرام)، مثل: الصدق، الأمانة، وفاء بالعهد، رحمة، عفة، الكذب وقول الزور، الخيانة والغش، الظلم والقسوة والتجبر، إخلاف الوعد، وهناك حسن خلق (دائرة جمال الخلق)، وهو إحسان الخلق: تحلية وتجميل كل خلق بالذوق والإحساس العالي بالناس وعدم جرح المشاعر وجبر الخواطر، وهو إحسان لا سقف له". وبيّن الداعية الإسلامي أثر حسن الخلق في السعادة، إذ "لا يمكن أن تعمل صغيرة أو كبيرة إلا وشكرك عليها الشكور"؛ ومنها مرافقة النبي ﷺ في الجنة: "أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا"، فإنه "يلقى محبتك في قلوب الناس، وهذا قانون رباني مثلما تشرق الشمس من الشرق وتغرب من الغرب، يلقى الله محبتك في قلوب الناس، مسلما أو كافرا، فهي مسألة لا علاقة لها بدين، حسن الخلق محبة".
وقال الحبيب المصطفى "من لم يَدَعْ قَولَ الزُّورِ، والعمَلَ به، والجهْلَ؛ فليس للهِ حاجةٌ أنْ يَدَعَ طَعامَه وشَرابَه"، وفي حديث آخر "رُبَّ صائمٍ ليس له مِن صِيامِه إلَّا الجُوعُ"؛ فالصّوم مكتمل الأركان هو كبح الجوارح والنفس عن الآثام وتطويع النفس على تركها لما بعد الشهر، حتى تصبح المآثم جريمة يجتنبها العبد خوفا وطوعا وإذعانا لأمر الله ونيل الراحة والطمأنينة، التي لا تحصل إلّا بسلامة الروح وصفاء السجية وحسن النية وطيب العمل بالرضية. وللصائم فرحتان عظيمتان إحداهما في الدنيا والثانية في الآخرة؛ أمّا الأُولى فهي فرحة الإفطار، وكأنّها هدية الصائم الكبرى، وبها تَمام صومه وخاتمة عبادته، أمّا الثانية إذا لقى ربّه فرحا به، وهو الفوز العظيم باللّقاءِ وقبول الله تعالى صومه وحسن الجزاء. اليوم.. رحمة ضياء تناقش رواية (النقشبندي) بمكتبة نقوش الإسكندرية - بوابة الشروق. الجهاد في رمضان وهناك جانب آخر لا بد من ذكره في الشهر للعبرة والعظة، وهي تلك الحروب والفتوحات التي خاضها المسلمون في رمضان وسنامها غزوة بدر؛ حقّق المسلمون النصر العظيم وهم قلة صائمون أمام كثرة منعّمون. ومعارك أخرى في رمضان انتصر بها المسلمون كفتح مكّة وعين جالوت وحطين والقادسية، ومعارك كثيرة يخوضها الشعب الفلسطيني الباسل أمام الاحتلال في كل رمضان، كما رمضان هذا العام أيضا ونحن ننتصفه؛ ودّعنا أوّله ونستقبل أواخره بالحجارة والصدور العارية؛ تقف مدججة بالعزيمة والإيمان أمام جيش جرار مسلح بأحدث آلة حرب وخوف؛ يحفه الرعب والانهزام.
وقال الدكتور عمرو خالد إن علم النفس أثبت أن ذاكرة الناس تتأثر بحسن الخلق؛ لكن حسن الخلق يحتاج معه أيضا إلى منزلة روحية مهمة: منزلة التوكل على الله، لماذا؟، لأن معنى منزلة التوكل: أنا أسقطت الناس من عيني، ووكيلي هو الله سبحانه وتعالى، أنا لا أنتظر من الناس شيئا، بل أنتظر من الوكيل أن يعطيني. التوكل وتحمل سخافات الناس وشدد خالد على أن "الإنسان يحتاج إلى التوكل حتى يستطيع أن يتحمل سخافات الناس، فالتوكل يعطيك طاقة روحية كبيرة"، موضحا أنه عندما يتوكل الإنسان على الله فإنه ينتظر العطاء من الوكيل: "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا"، ولأنه ثابت العطاء مضمون ولو بعد سنين طويلة. فيكون الأجر منه أضعافا مضاعفة، لأن العقل البشري لن يتحمل تأجيل الحصول على المقابل إلا بعطاء أكبر". أربعة معان رائعة لحسن الخلق واستعرض خالد أربعة معان رائعة لحسن الخلق، لو فعلها الإنسان كان من المحسنين، وذلك على النحو التالي: 1ـ كل ما يحمي من جرح المشاعر أو تجريح الناس درب نفسك على أن تخرج أفضل ما لديك من كلام. وهذا النبي صلى الله عليه وسلم عندما دخل عكرمة بن أبي جهل الإسلام، نهى أصحابه عن سب أبيه، قائلا: "يأتيكم عكرمة مؤمنا فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت".