وبين كل تلك التحولات كانت للمقهى أزمنة ومجالات مختلفة كما يقول المؤلف. ولعل الحيز الذي تحرك فيه المقهى البيروتي، هو حيز السياحة، وهو حيز جمالي يختصر الكثير من الوظائف التي ذكرها المؤلف، فالمقهى البيروتي، تطور ضمن زمن ثقافي منذ خمسينات القرن المنصرم، وتزامن هذا التطور مع حاجات اقتصاديات السياحة، مثلما يجري اليوم في بعض الدول الخليجية التي تسابق الأزمنة الثقافية لشعوبها، بل الأزمنة الثقافية للدول العربية. الفرص المهدرة صداع في رأس مدرب الجزيرة.. علاجها أقصر طريق للتأهل - صدي العالم. وأثر السياحة ببيروت رافق تأثيرها الثقافي، فهي حاضرة النشر وصرعات الأدب العربي الحديث، وفوق هذا لبيروت فضل ترسيخ تقاليد حرية الصحافة وتطوير نوعها منذ خمسينات القرن المنصرم، ولم ينافسها عربيا سوى القاهرة التي بدأت بالانكماش في وقت صعود بيروت في الستينات. كل تلك التطورات جعلت للمقهى وظائف ثقافية، وذاع صيت مقاهي بيروت في كتب الأدباء وأشعارهم وتجمعاتهم، اضافة إلى مقاهي السياسيين العرب الذين اختاروا بيروت لنشر أفكارهم ولنقاشاتهم، فكانت أسماء مثل الهورس شو والدولشفيتا وألدواردو وغيرها قد سكنت ذاكرة القراء العرب، وجعلت من بيروت حلما من أحلامهم. يتطرق كتاب الدويهي إلى مقاهي الأدباء والفنانين وبينها الباتيسري سويس في باب أدريس حيث يلتقي الأدباء والشعراء الذين اتخذوا من الفرنسية اداة تعبير كجورج شحادة وهكتور خلاط وفؤاد غبريال نفاع.
ويندر وجود السعوديين فيها! مع أنها إذا ازدهرت بالمقاهي وزُينت بأحواض الورود سوف تكون جذّابة جدا للمواطن والوافد والسائح، وفرصة للتعارف وعمقاً إنسانياً للمدينة.
ويركز المؤلف على مقاهي وسط المدينة حيث نشأت في الثلاثينات والأربعينات حركة اقتصادية أتاحت تشييد بنايات من طرز راقية، مما أتاح فرصة لتغيير نوع المقاهي وزبائنها ومستوى خدماتها، كان ذلك هو التمهيد لنشوء المقاهي الجديدة بعد أن دخلت مقومات النهوض حياة البيروتيين. ولعل الانتباهة الدقيقة للمؤلف التي لم يشبعها تفصيلا ووضوحا، كانت في تأكيده على النقلة النوعية التي أحدثها المسيحيون في طرز معيشتهم اثر تنشيط علاقتهم بالغرب، حين غدت لهم نواديهم وأماكن اجتماعهم ووسائل تبادلهم التجاري، الأمر الذي أدى بالمسلمين إلى تقليدهم على استحياء في البداية، لحين ما أدركوا قيمة الحياة المرفهة الحضرية. تلك النشاطات الضاجة بالحيوية والحاجة إلى اكتساب مهارات وتقاليد المنافسة في التعليم وثقافة الانفتاح، دفعت المرأة إلى الخروج من حيزها المغلق والدخول في عالم المقهى، حيث نشأت المقاهي المختلطة بعد ان ارتقت أنواعها وتطورت خدماتها. مقاهي شيشة الرياض للعوائل. يتابع المؤلف تحول المقهى من التسليات القديمة مثل الحكواتي والأراكوز إلى لعب الورق والدومينو وتدخين النرجيلة ثم حضور فرق الرقص والغناء، لحين مااستغنى الزبون عن تلك التسليات واكتفى بمطالعة الصحف والمجلات.