وفي الحديث أن النبي ، صلى الله عليه وسلم "لعن الزهرة ، وقال: إنها فتنت ملكين" إلا أن هذه الأشياء بعيد عن الصحة وتأول بعضهم ، هذا فقال: إنه لما رأى الكوكب ، ذكر تلك المرأة ، [ ص: 125] لا أن المرأة مسخت نجما. واختلف العلماء في كيفية عذابهما; فروي عن ابن مسعود أنهما معلقان بشعورهما إلى يوم القيامة ، وقال مجاهد: إن جبا ملئ نارا فجعلا فيه. فأما بابل; فروي عن الخليل أن ألسن الناس تبلبلت بها. واختلفوا في حدها على ثلاثة أقوال. أحدها: أنها: الكوفة وسوادها ، قاله ابن مسعود. والثاني: أنها من نصيبين إلى رأس العين ، قاله قتادة. والثالث: أنها جبل في وهدة من الأرض ، قاله السدي. قوله تعالى: إنما نحن فتنة أي: اختبار وابتلاء. قوله تعالى: إلا بإذن الله يريد: بقضائه. ولقد علموا: إشارة إلى اليهود لمن اشتراه يعني: اختاره ، يريد: السحر. واللام لام اليمين. فأما الخلاق; فقال الزجاج: هو النصيب والوافر من الخير. وما أنزل على الملكين ببابل. وله تعالى: ولبئس ما شروا به أنفسهم أي: باعوها به لو كانوا يعلمون العقاب فيه. [ ص: 126] فصل اختلف الفقهاء في حكم الساحر; فمذهب إمامنا أحمد رضي الله عنه يكفر بسحره ، قتل به ، أو لم يقتل ، وهل تقبل توبته؟ على روايتين.
وبناء على ذلك: فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ﴾ ﴿مَا﴾ نَافِيَةٌ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ على قَولِهِ تعالى: ﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ﴾. فَيَكُونُ المَعنَى: مَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ، ومَا أَنْزَلَ اللهُ تعالى السِّحْرَ على الملَكَيْنِ، لأَنَّ اليَهُودَ كانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ السِّحْرَ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ ومِيكَائِيلُ، فَكَذَّبَهُمُ اللهُ تعالى. وأَمَّا هَارُوتُ وَمَارُوتُ هُمَا بَشَرٌ، كَانَا يُعَلِّمَانِ النَّاسَ السِّحْرَ، واتَّبَعُوا في تَعْلِيمِ السِّحْرِ الإِنْذَارَ والتَّحْذِيرَ، فلا يُعَلِّمَانِ أَحَدَاً من النَّاسِ حَتَّى يَقُولا لَهُ: إِنَّمَا نَحنُ فِتْنَةٌ واخْتِبَارٌ وابْتِلاءٌ من اللهِ عزَّ وجلَّ، فلا تَعْمَلْ بالسِّحْرِ، ولا تَعْتَقِدْ تَأْثِيرَهُ، وإلا كُنْتَ كَافِرَاً، أَمَّا إِذا تَعَلَّمْتَهُ لِتُعَلِّمَهُ فَقَط، دُونَ اعْتِقَادٍ بِحَقِيقَتِهِ، ولا تَأْثِيرٍ لَهُ، ولا عَمَلٍ بِهِ، فلا ضَرَرَ، وكَانَا يَقُولانِ ذلكَ حِفَاظَاً على حُسْنِ اعْتِقَادِ النَّاسِ فِيهِمَا. قصة الملكين هاروت و ماروت - ثقف نفسك. وأَطْلَقَ النَّاسُ عَلَيهِمَا مَلَكَيْنِ من بَابِ الشَّبَهِ، لأَنَّهُمَا كَانَا في الظَّاهِرِ صَالِحَيْنِ.
5ـ الامتداد التوراتي من خلال الطائفة القبالية "طائفة الكابالا" في الديانة اليهودية و كتابها الأسود المعرروف بـ "الزوهار". و الكابالا فرقة أو مذهب يهودي يقوم على تفسيرات باطنية للأفكار التلمودية من التعاليم الغيبية و الروحانية والتي تشتمل على السحر والممارسات الصوفية ، ولا يرفض اليهود هذه التعاليم بل يعتبرونها الحلقة الداخلية التي لا يكشف عنها "للاغيار" والتي تعبر عن التقوى والولاء في ديانتهم. وقد سميت أول أمرها: الحكمة المستورة، ومن ثم بات اسمها القبالة؛ والكلمة من أصل آرامي ومعناها القبول أو تلقي الرواية الشفهية. ومن أهم الشخصيات التي كونت الخطوط العريضة للكابالا: سمعان بن يوشاي من القرن الثاني الميلادي، وقد اختفى عن الأنظار مدة في مغارة ومن ثم خرج عليهم ليقول: إن أسراراً قد كشفت له، وأنه قد حصَل له شكلٌ من الكشف أو الإلهام. و قد تأثرت القبالة بفلسفات هندية وفارسية ويونانية إشراقية، كما أنها أخذت بفكرة الانتظار. وفكرة القبالة تشق طريقها بقوة بين اليهود بدءاً من القرن الثالث عشر الميلادي، وقد ظهرت مجموعة نصوص عندهم جمعوها في كتاب أو سفر سموه: زوهار. والزوهار كلمة آرامية معناها النور أو الضياء، وقد دون الزوهار بالآرامية موسى اللبوني (1250 م ـ 1305 م) في اسبانيا، في التعليق على الكتاب المقدس إلا أن قسماً كبيراً من هذه النصوص تعود إلى القرن الثاني الميلادي مع سمعان بن يوشاي يضم ذروة فكر» الكاباليين ، و يوجد مركز الكابالاالآن في لوس انجلوس ، كما يقيم الزعيم الروحي لطائفة الكابالا الحاخام فيليب بيرغ في مدينة نيويورك.
نُخطِئُ إذا ما نحن ظنَنَّا أنَّ كلَّ ما بحوزةِ مَن يتعاملُ مع "علوم السحر" هو هذا أو ذاك من تقنياتِ الخداعِ البصري الذي وردَ ذكرُهُ في القرآنِ العظيم على أنه "سحرُ أعينِ الناسِ واسترهابُهم" (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) (من 116 الأعراف). ولقد تجلى ذلك في جعلِ السحرةِ لحبالِهم وعِصِيَّهم تبدو للناظرِ إليها أنها تسعى. وما هذا النوعُ من "علوم السحر" إلا غيضٌ من فيضِ ما توارثته أجيالُ المتعاملِين مع هذه العلومِ والمشتغلين بها. فيكفينا أن نستذكرَ ما جاءتنا به سورةُ البقرة في الآية الكريمة 102 منها ليتبيَّنَ لنا أنَّ هناك "شيئاً آخر" هو ما ينبغي علينا ألا نغفلَ عنه ونحنُ نتدبَّرُ العبارة القرآنية الجليلة (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ) الواردة فيها. فهذا الذي كان قد أُنزِلَ على الملكَين ببابل، هاروت وماروت، هو علمٌ حقيقي وليس علماً زائفاً Pseudo- Science، وهو علمٌ نزلَ بعلمِ اللهِ ومعرفتِه فتنةً للناس (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُر) (من 102 البقرة).