من أسرار البلاغة وفنون العلم التي جاءت في القرآن الكريم، ويجدر بكل مسلم التفكر فيها، والتدبر في معانيها، القَسم في القرآن. والمتتبع لآيات القسم في القرآن الكريم يجد أن الله سبحانه أقسم في بعضها بذاته الموصوفة بصفاته وأقسم بآياته ومخلوقاته وبمظاهر الكون، ويوم القيامة، لتهيئة السامع، وإعداده إعداداً صالحاً لما يأتي بعد القَسم. ن والقلم وما يسطرون تفسير. يأتي ذكر القسم تأكيداً، لا سيما والقرآن أنزل بلغة العرب، الذين عهدوا على إثبات مطالبهم بالحلف واليمين والقسم، إذ كانوا يقطعون كلامهم بالقسم، بهدف تحقيق الخبر وتوكيده. قال تعالى: «ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجراً غير ممنون، وإنك لعلى خلق عظيم»، (القلم1-4). هذا هو القسم الأول الذي نزل من آيات القرآن الكريم، وورد في فاتحة سورة القلم وهي الثانية في ترتيب نزول السور، وهي الثامنة والستون في ترتيب المصحف، وهى مكية وعدد آياتها اثنتان وخمسون آية. يقول محمد هشام الشربيني في كتابه «بهذا أقسم الله»: مطلع السورة وختامها يتحدثان عن أمر واحد وهو الظن بأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد انتابه الجنون! ولكن الظن في بداية السورة يختلف عنه في نهايتها، بقسم الله سبحانه وتعالى بالقلم، ويعني الكتابة لأن هذا هو عمل القلم الوحيد.
وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن عند قوله تعالى: (والقلم وما يسطرون) قال: وما يكتبون قال رؤبة: "إني وأسطار... " البيت. والأسطار: جمع سطر، وهو الصف من النخل أو من حروف الكتابة المنسوقة. ]] وقوله: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: ما أنت بنعمة ربك بمجنون، مكذِّبا بذلك مشركي قريش الذين قالوا له: إنك مجنون. وقوله: ﴿وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ يقول تعالى ذكره: وإن لك يا محمد لثوابا من الله عظيما على صبرك على أذى المشركين إياك غير منقوص ولا مقطوع، من قولهم: حبل متين، إذا كان ضعيفا، وقد ضعفت منَّته: إذا ضعفت قوّته. سوره ن والقلم وما يسطرون خط عربي. وكان مجاهد يقول في ذلك ما:- ⁕ حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ قال: محسوب.
فليس هناك يمين بغير الله. وأما الله فله أن يحلف بما يشاء، ولذلك قال: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1]، وقال: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل:1], وقال: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ [القلم:1], أي: وما يكتب الكرام الكاتبون، أي: والذي يأخذونه من اللوح المحفوظ, وهو ما كتب للعبد, أي: الذي يكتبونه في رحم أمه, أي: شقي أو سعيد.
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب: قال: رب وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة». ويرى بعض المفسرين أن العلاقة واضحة بين الحرف «نون» بوصفه أحد حروف الأبجدية وبين القلم والكتابة، فأما القسم بها فهو تعظيم لقيمتها وتوجيه إليها في وسط الأمة التي لم تكن تتجه إلى التعلم عن هذا الطريق، وكانت الكتابة فيها متخلفة ونادرة في الوقت الذي كان دورها المقدر لها في علم الله يتطلب نمو هذه المقدرة فيها وانتشارها بينها، لتنقل هذه العقيدة وما يقوم عليها من مناهج الحياة إلى أرجاء الأرض، ثم لتنهض بقيادة الإنسانية قيادة رشيدة. وما من شك أن الكتابة عنصر أساسي في النهوض بهذه المهمة الكبرى. ومما يؤكد هذا المفهوم أن يبدأ الوحي بقوله تعالى: «اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم»، (العلق،1-5)، وأن يكون هذا الخطاب موجهاً للنبي الأمي. هذا هو المقسم به فما الذي يقسم عليه؟ يقول عز وجل «ما أنت بنعمة ربك بمجنون» فيثبت في هذه الآية القصيرة وينفي. معنى ن والقلم وما يسطرون - المساعده بالعربي , arabhelp. يثبت نعمة الله على نبيه في تعبير يوحي بالقربى والمودة حين يضيفه سبحانه إلى ذاته (ربك) وينفي تلك الصفة المفتراة التي لا تجتمع مع نعمة الله على عبد نسبه إليه وقربه واصطفاه.