والشواهد على لطف الله كثيرة لا تعد ولا تحصى ولا تحتاج منا إلا دقائق من التأمل وإمعان النظر، وتذكية البصيرة لندرك خفايا لطفه وعظيم كرمه علينا، فالحمد لله أن ربنا الله اللطيف الخبير.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واشكروه ولا تكفروه، ولاحظوا ألطافه سبحانه فيكم وفيما يمر بكم؛ فمن لحظ لطف الله تعالى لم يأس على ما يظنه خيرا فاته أو شرا أصابه؛ لعلمه أن لله تعالى ألطافا خفية في مقاديره، وأنه لا يقدر للمؤمن إلا ما هو خير له؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» رواه مسلم. أيها الناس: معرفة الله تعالى سبب لتعظيمه ومحبته وعبوديته، فمن لم يعرف الله تعالى حق المعرفة لم يعبده حق عبادته. ومعرفته سبحانه أشرف العلوم وأعلاها؛ لأنها علم بالخالق سبحانه، بينما معارف الدنيا مهما بلغت فهي علم بالخلائق، ولا مقارنة بين معرفة الخالق ومعرفة المخلوق. ومن أسماء الله تعالى الحسنى: اللطيف، ومن أوصافه عز وجل اللطف، وفي أفعاله عز وجل لطف كثير، بل أفعاله كلها لطف، ومن معاني لطفه سبحانه: إيصال البر أو دفع الضر من جهة لا يحتسبها الخلق. وفي القرآن أمثلة كثيرة على ذلكم اللطف الرباني، ومن ذلك: ما وقع ليوسف عليه السلام؛ فإن جميع الابتلاءات التي أحاطت به كانت سبب العز والتمكين في الأرض.
صلِّ يا رب وسلم على حبيبنا المعلم، شمس الضحى وقمر الدجى وأصحابه نجوم الهدى ثم أما بعد: فإن الأمور تجري بقدر الله وعلمه وحكمته، ووفق إرادته عز وجل فلا يقع في ملكه شيء إلا بعلمه ورضاه، فهو اللطيف الخبير، وهنا سينصب حديثنا حول لطف الله ومعانيه ومظاهره. معنى اللطف اللطف صفة من صفات الله واسم من أسمائه الحسنى، اللطف له معنيين تندرج تحتهما معان متعددة، وهذان المعنيان هما: اللطف بمعنى إدراك كل الأمور كبيرها وصغيرها، عظيمها وحقيرها، والعلم بها والإحاطة ببواطنها وخفاياها وخباياها، ولا يقتصر اللطف على العلم بالأمور فحسب بل يشمل العلم بعواقبها وحكمتها، وخيرها أو شرها، وقد ورد في القرآن الكريم عدة نصوص تحمل هذا المعنى ومنها على سبيل المثال قول الله عز وجل: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}. وعلى قدر إحاطته عز جل وعلمه بما يجري في السماوات والأرض، يكون خفائه عن الخلق، فهو يٌدرِك ولا يُدرَك، يَرى ولا يُري، (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.
والمعنى الآخر يدور في فلك حسن التدبير، وتيسير الأمور بما تقتضي إرادته وتستدعي حكمته، وتنزل الرحمات على العباد، ومنه اشتمال الابتلاءات على الرحمات، وانطواء المحنة على معنى المنحة والعطاء، وستره وتيسير أسباب النجاة، وتفريج الكروب بما لا يقع في علم الإنسان أو اعتقاده أو تصوره، ومما يشير إلى ذلك المعنى قول الله عز وجل: (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
مساء القلوب المشرقة بالأمل والتفاؤل والرضى بأقدار الله مساءاليقين والثقة بالله مُدبر الأمر ورحمته تشملنا وعطفه وحنانه يحمينا في كل أمور حياتنا مساء الامل حينما تدرك يقينا ان كل شيء بيد الله و الرضا بما هو مقدر ومكتوب و الابتسامة بما هو قادم مساء جميل كجمال قلوبكم هادىء ومستبشر اتمناه لكم
وفي قصة موسى مع الخضر عليهما السلام ألطاف ربانية أجراها الله تعالى على يد الخضر خفيت على كليم الرحمن سبحانه، فاعترض على خرق السفينة لتظهر المصلحة بعد ذلك في خرقها؛ حفاظا عليها من أخذ الملك المغتصب لها. واعترض على قتل الغلام ليظهر بعد ذلك أن موته كان خيرا لوالديه من بقائه. واعترض على بناء الجدار في القرية التي لم يكرمهما أهلها؛ ليبين بعد ذلك أن الجدار يخفي كنزا لغلامين يتيمين كان أبوهما صالحا؛ ولذا ختم الخضر بيانه لهذه التصرفات الصحيحة التي تبدو في الظاهر خاطئة بأنها ألطاف من الله تعالى فقال ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ [الكهف: 82].
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم. المصدر: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(2/180) عبد الله بن قعود... عضو عبد الله بن غديان... عضو عبد الرزاق عفيفي... نائب رئيس اللجنة عبد العزيز بن عبد الله بن باز... الرئيس
الحمد لله. أولا: الغيب نوعان: غيب مطلق ، وغيب نسبي. فالغيب المطلق: هو ما غيبه الله عن جميع خلقه ، فلم يطلع عليه أحدا منهم ؛ بل استأثر الله تعالى بعلمه.
والغيب غيبان: الأول: غيب مطلق، وهو الذي لا يعلمه إلا الله، ومن شاء أن يطلعه على ما شاء منه، من رسله من الملائكة ومن الناس. والثاني: غيب نسبي، وهو ما يغيب عن بعض الناس دون بعض، من الحوادث والأحوال والأعمال العامة والخاصة، فذلك غيب بالنسبة لمن لم يشاهده أو يدركه بشيء من حواسه، وحينئذ فلا طريق له إلى العلم به إلا خبر الصادق، وقد توفرت في هذا العصر وسائل نقل الأخبار، والحكم على الأخبار بحسب مصادرها وناقليها، فمن ادعى شيئا من علم هذا الغيب فإنا نسأله عن مصدر خبره؛ فقد يكون ظنًّا، وقد يكون توهمًا، وقد يكون خبرًا، فيُعتبر فيه حال المخبِر، ولا بد من اعتبار حال المخبِر للحكم على خبره، وكذا من يروي عنه. ومِن مدعي علم الغيب الكاهن والعراف، ومستندهم في أخبارهم إما أدلة وهمية لا تفيد إلا الظنون الكاذبة، وإما ما يتلقونه من شياطين الجن ، وهم يَصْدُقون ويَكْذِبون، ومعلوم أن الجن لهم قدرة على الاطلاع على كثير من أحوال الناس الظاهرة والخفية، لأنهم يرون بني آدم من حيث لا يراهم بنو آدم، كما قال تعالى: { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}، ولهم قدرة على سرعة الانتقال، كما في قصة العفريت مع سليمان عليه السلام.
وأما الغيب النسبي: فهو ما غاب عن بعض الخلق علمه ، وعلمه بعضهم ، فهذا إنما يسمى غيبا بالنسبة للجاهل به الذي لا يعلمه ، وليس بغيب للذي يعلمه. فما أخفيته في بيتي ـ مثلا ـ هو معلوم بالنسبة لي ، لكنه غيب بالنسبة لغيري ، ممن لم يعلم به. وما يحدث في مكان آخر ، لم أطلع أنا عليه ، هو غيب بالنسبة لي ، لكنه ليس غيبا بالنسبة لمن كان حاضرا في ذلك المكان. حكم إدعاء علم الغيب والرد على الصوفية. وهذا الغيب النسبي يمكن للإنسان أن يعرفه إما بطريق الوحي ، أو بالتجربة ، أو بالعلم الحديث ، أو غير ذلك مما يمكن به الاستعلام عما يخفى على كثير من الناس بالطرق الممكنة ، كمعرفة ما في قعر البحار ، وأغوار الأرض ، وأجواء السماء. وهذا النوع من الغيب يمثل له بالجزار قبل أن يفتح بطن الشاة، فما في بطنها غيب بالنسبة إليه، لكنه إذا فتحه واطلع عليه زال ذلك ، فلم يكن غيباً بالنسبة إليه. ومثل الغائب عنك، فإن من في بيتك الآن يرى ما لا تراه، فما في بيتك غيب بالنسبة إليك ، وشهادة بالنسبة للحاضر عندهم. فالغيب غيبان: غيب عن كل الناس، وهذا لا يطلع عليه أحد ، مثل ما يقع في غد، ومنه مفاتيح الغيب الخمسة. وغيب عن بعض الناس ، شهادة لبعضهم، مثل: ما يراه الطبيب بالتشخيص، فهذا بالنسبة لك أنت غيب ، وأنت واقف بجنبه، لكنه ليس غيباً بالنسبة إليه؛ لأنه يراه ثانيا: يمكن معرفة الغيب النسبي إما بطرق مشروعة مباحة ، وإما بطرق غير مشروعة وغير مباحة.
وأما الفراسة الشيطانية فهي ما تلقيه الشياطين في قلوب أوليائها، مما فيه إعانةٌ لهم على الباطل، وإضلالٌ للناس بهم. إذا تبين ما سبق فما ورد في السؤال من دعاوى علم الغيب فيجب أن ينزل على ما تقدم؛ فهولاء النساء اللاتي يُدَّعَى فيهن الصلاح، ويدعين القدرة على معرفة أحوال الناس بما ذكر من التفصيل لا بد أن يكن كاهنات، ولهن أعوان من الجن، ولا يغتر بما يظهر من حالهن، فكثير من الدجالين منافقون يظهرون الصلاح والديانة، وهم في الباطن من أولياء الشياطين. وما ذكر عن هؤلاء النساء ليس هو من جنس الفراسة؛ فإن الفراسة شيء يلقى في القلب ليس هو باختيار صاحبه، يعلم به ما شاء من أحوال الناس. فالواجب عدم الانخداع بما تدعيه أولئك النسوة وأشباههن، ولا يجوز سؤالهن ولا تصديقهن، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أتى كاهنا أو عرافا فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " (رواه الأربعة). هذا؛ والله أعلم، وصلى الله على محمد وسلم. حكم ادعاء معرفة الغيب عن طريق بعض الأولياء - إسلام ويب - مركز الفتوى. قاله عبد الرحمن بن ناصر البراك غفر الله عنه، وكتبه عنه عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر سامحه الله تعالى. 12-10-1431هـ 21-9-2010 المصدر: موقع الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك 20 96, 470
المصدر: مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(1/67)