أما الطريق الثاني الذي سلكه عمرو بن عبد العزيز لِجمع وتدوين السنة، أنه أمر ابن شهاب الزهري أن يتجه لتدوين السنة، حيث قال الزهري: أمَرَنَا عمرُ بنُ عبد العزيز بجمع السُّنن، فكتبناها دفتراً دفتراً، فبعث إلى كلِّ أرضٍ له عليها سلطان دفتراً) كما كتب لبعض من العلماء والتابعين في مختلف البلاد، والأمصار؛ وذلك حتى يمنع الافتراء والكذب على رسول الله، ويحفظ السنة من التغيير، والتبديل، والتحريف. تأليف السنة على هيئة كتب مصنفة من مزايا المرحلة الثالثة من مراحل تدوين الحديث. - نبراس التعليمي. أيضاً في هذه المرحلة طلب الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور من الإمام مالك أن يُصنف كتاباً ويدوّن فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام الإمام مالك بجمع الأحاديث في كتابه وسماه الموطأ، الذي تم تصنيف الأحاديث فيه حسب الموضوعات، مدعومة بالأقوال المأثورة عن الصحابة والتابعين. 3- المرحلة الثالثة أواخر القرن الثاني الهجري في أواخر القرن الثاني الهجري، تم التركيز على تدوين السنة على هيئة كتب مصنفة، فتنوّعت المؤلفات في الجمع والتدوين، حيث تم التدوين في هذه المرحلة على المسانيد، أي الكتب الحديثية التي جمعت الأحاديث المروية عن كل صحابي على حدة. كما تم التدوين على الجوامع وهي الكتب الحديثية التي تتضمن جميع مَواضع الفقه، والتفسير، وغيرها.
وفيما يلي تعريف بأهم أنواع هذه الكتب: كتب الجوامع: وهي الكتب التي جمعت كل ما وصل إلى المؤلف من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقائد والعبادات والمعاملات والغزوات والتفسير والفضائل.. سواء التزم أصحابها بالصحة أم لم يلتزموا ومن أمثلة هذه الكتب: • الجامع الصحيح للإمام البخاري (ت 256هـ) وقد التزم فيه الصحة، وهو أصح كتاب بعد القرآن الكريم. • الجامع الصحيح للإمام مسلم (ت261هـ) وقد التزم فيه الصحة، ولكن شروط التصحيح عنده أخف من شروط البخاري، فهو الكتاب الثاني بعد كتاب البخاري. • الجامع الصحيح للإمام الترمذي (ت 279هـ) ولم يلتزم فيه بالصحة. • الجامع الصحيح للإمام ابن خزيمة (ت 311هـ) التزم فيه الصحة، ولكن شروطه في التصحيح غير شروط الشيخين. مراحل تدوين السنة النبوية. كتب السنن: وهي الكتب التي أوردت الأحاديث النبوية المتعلقة بأبواب الفقه فرتبها أصحابها على أبواب الفقه مثل: كتاب الطهارة، وكتاب الصلاة وكتابة الصوم، والزكاة والحج، والنكاح. ومن أشهرها: • سنن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت275هـ) وقد جمع في كتابه الصحيح والحسن، ولم يورد الضعيف إلا نادراً، وقد نبه عليه، وضعيفه مقبول، وليس فيه الضيف المردود أو الموضوع.
[6] مقدمة صحيح مسلم رواه عن محمد بن سيرين 1/14. [7] انظر أصول التخريج ودراسة الأسانيد للدكتور محمود الطحان، ص40. [8] المرجع السابق، ص118.
الخوف من حدوث لَبسٍ من قبل عامّة المسلمين بين القرآن والحديث النبويّ، فقد نهى النبي الكريم أصحابه من أن يكتبوا شيئاً سوى القرآن الكريم، وأن يمحوا كل ما كتبوه عنه، وقد تجلّت الحكمة في تلك المرحلة أن ينكب الصحابة على حفظ كتاب الله ودراسته، ولو أمروا بكتابة السنة والحديث معه لأدّى ذلك إلى كثير من المشقة عليهم، وخاصة أن وقائع السنّة النبويّة كثيرة ومتشعّبة.