ونحو هذا الجمع ما ذكره الشيخ السعدي ، قال: "ذكرهم بنعمه عليهم وإحسانه إليهم، وبأيامه في الأمم المكذبين، ووقائعه بالكافرين، ليشكروا نعمه، وليحذروا عقابه". وعليه، فإن الأنسب مع مقاصد القرآن العامة أن يكون المراد بـ (الأيام) هنا الأحداث الزمنية الكبرى والوقائع التاريخية العظمى. وهي (الأيام) التي تختصر تواريخ الأمم، وترسم ملامحها، وتوجه مساراتها، ويكون فيها عبرة لمن يعتبر. وذكرهم بايام الله خطب مكتوبة. فالتاريخ في جملته، وفي جوهره إنما هو (أيام وعبر)، وإن شئت قل: هو (أيام فيها عبر). والمهم في هذا السياق -كما قال الأستاذ الريسوني - أن معرفة (أيام الله)، والاعتبار بها، هو جزء من الدين، وجزء من رسالة الأنبياء. وهو صريح قول الله تبارك وتعالى. وليس هذا خاصاً ب موسى عليه السلام، كما قد يُفهم من الآية المذكورة، بل هي سنة الله في عامة أنبيائه ورسله، ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم. فمن المعلوم أن حيزاً كبيراً من القرآن الكريم إنما هو تذكير { بأيام الله}، ودعوة للاعتبار بها، { فاعتبروا يا أولي الأبصار} (الحشر:2). وقد لفت ابن خلدون الأنظار إلى ما بين التاريخ والشريعة من وجوه الحكمة والاعتبار، فوضع كتاباً لأجل هذا الغرض سماه (كتاب العِبَر، وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر)، بيَّن من خلاله أهمية النظر في تاريخ الأمم الماضية، وضرورة قراءة ما جرى للأقوام السابقة؛ وذلك بقصد الاعتبار والاتعاظ، وتجاوز أخطائها وسلبياتها، والاستفادة من صوابها وإيجابياتها.
كما أن على المسلم أن يعلم أن الذين يريدون أن يستمدوا عزتهم من عند غير الله فهم خاسرون، قال الله -تعالى-: ( بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) [النساء:138-139]. ولنعلم ثالثاً: أن الظلم مؤذن بالخراب والعذاب، ونذيرُ أخذ ومحق وهلاك، والأخذُ والعذاب يقع على الكافرين حين يظلمون غيرهم، ويشمل أيضاً من يظلم من المسلمين، قال الله -تعالى-: ( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) [يونس:13]. وقال -سبحانه-: ( فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) [الحج:45]. وذكرهم بأيام الله: يوم عاشوراء. وقال -جل شأنه-: ( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) [الكهف:59]. وإن من الظلم موالاة الظالم وعونُه وتأييده، ومباركة ظلمه، وأظلم الظلم أن تعينه وتظاهره وتواليه على حساب إخوانك المؤمنين، ومن يفعل ذلك فهو داخل في عداد الظالمين المتوعَّدين بالأخذ والعذاب، قال الحق جل وعلا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:51].
وانظر ما قاله أخي السيد أحمد رحمه الله في توثيقه فيما سلف رقم: 6892. و " محمد بن أبان بن صالح بن عمير الجعفي " ، متكلم في حفظه ، سلف برقم: 2720 ، 11515 ، 11516. و " أبو إسحق " ، هو السبيعي ، مضى مرارًا. هذا إسناد أبي جعفر. وقد رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائده على مسند أبيه ( المسند 5: 122) ، وإسناده: " حدثنا عبد الله ، حدثني أَبي ، حدثنا يحيى بن عبد الله ، مولى بني هاشم ، حدثنا محمد بن أبان الجعفيّ ، عن أَبي إِسحق ، عن سعيد بن جبير... " و " يحيى بن عبد الله ، مولى بني هاشم " ، هو " يحيى بن عبدويه ، مولى عبيد الله ابن المهدي " ، متكلم فيه ، سئل عنه يحيى بن معين فقال: هو في الحياة ؟ فقالوا: نعم. وذكرهم بأيام الله - YouTube. فقال: كذاب ، رجل سوء. وروى الخطيب في تاريخ بغداد أن أحمد بن حنبل حث ولده عبد الله على السماع من يحيى بن عبدويه ، وأثنى عليه. مترجم في ابن أبي حاتم 4 / 2 / 173 ، وتاريخ بغداد 14: 165 ، وتعجيل المنفعة: 443 ، وميزان الاعتدال 3: 296. وهذا الخبر نقله ابن كثير في تفسيره: 5: 545 ، عن المسند ، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 4: 70 ، وزاد نسبته إلى النسائي ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان.
وهي المسماة في القرآن -أيضاً- أيام الله التي أمر -سبحانه- المصلحين أن يذكرِّوا الناس بها: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ? إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [إبراهيم:5]. ومعنى أيام الله هنا: وقائع الله في الأمم السالفة، والأيامُ التي انتقم فيها من الأمم الخالية الماضية، وهي أيضاً حاضرة ومستقبلة، فكما جرت لأقوام مضوا، فهي تجري لنا حاضراً، وستجري لمن يأتي بعدنا مستقبلاً، وهذه أعظم فائدة مِن تدبُّر سنن الله في الناس، فلئن كان العصاة يمكنهم أن يخالفوا حكم الله وشرعه، فإن أحداً من الخلق لا يستطيع الخروج قيدَ أَنْمُلَةٍ عن حكمه القدَري. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة ابراهيم - الآية 5. عباد الله: إن الأحداث الكبرى قد تطيش بها العقول، وتذهل فيها الأفئدة، وتزل بها أقدام أناس، ويضل بها آخرون، ولا يثبت إلا من ثبته الله: ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم:27]. والأحداث لا تزال تتجدد؛ لأن الحملة الصليبية الموجهة الآن على أفغانستان بداية، والله أعلم أين تنتهي!
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: أيها الناس، فإن حاجة المسلمين إلى بيان سنن الله -تعالى- تتأكد أكثر في أزمنة الشدائد، ليقيسوا عليها أمرهم، ويعتبروا بها في التغيير. وما يحدث الآن في أفغانستان ليس هو أول حدث كبير في التاريخ، ولن يكون الأخير؛ إذ التاريخ حافل بأقدار من الخير والشر، دارت بشأنها سنن، وجرت بسببها ابتلاءات، وحصلت بعدها تغيرات في أحوال الأفراد والمجتمعات والأمم. وذكرهم بأيام ه. والأيام لا تزال تتوالى بجديد بين خير وشر، ونفع وضر، ومحن ومنح، يُختبر بها العالمون ( لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ) [المائدة:94]؛ لأن مخافة الله بالغيب تعني الالتزام بطاعته؛ طمعاً في ثوابه، وخوفاً من عقابه، وهذا لا يكون إلا بالإذعان لأحكام الشرع، والتسليم لها، والإيمان بالقدر. أيها المسلمون: إن أحكام الله القدرية تجري بحسب مواقف الناس من الشرع، وذلكم ما يسمى بالسنن الإلهية، وهي لا تقبل التخلف ولا التبدل: ( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب:62]، ( سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الفتح:23].