يقال هذا المثل عندما تكون البنت في حالة حب شديدة وإعجابًا بشخصيه أبيها ، فالمعروف أن البنت حبيبة أبيها كما يقال دائمًا. وقصتنا اليوم بدأت عندما قالت العجفاء بنت علقمة السعدي هذه الجملة ، وكان ذلك عندما خرجت هي وثلاثة من النساء من قومها وخرجوا ذاهبين إلى روضة لكي يتحدثون ويتسامرون سويًا ، وكان ذلك في ليلة من ليالي القمر الزاهر ، ليلة هادئة وساكنة ، وفي روضة خصبة جميلة ، قالت واحدة منهن: ما رأينا ليلة مثل هذه الليلة ، ولا روضة بجمال هذه الروضة ، فلا أطيب منها ريحًا ولا أنضر. كلُ فتاة بأبيها معجبة. وبدؤوا في حديثهم فقالت إحداهن ، أي النساء أفضل ، فردت واحدة وقالت: الخرود الودود الولود ، وقالت أخرى: خيرهن ذات الغناء وطيب الثناء وشدة الحياء ، وقالت الثالثة: خيرهن السموع الجموع النفوع غير المنوع ، وقالت الرابعة: خيرهن الجامعة لأهلها الوادعة الرافعة لا الواضعة. فسألت واحدة منهم وأي الرجال أفضل ، فقالت الأولي: خيرهم الحظي الرضي غير الحظال ولا التبال ، وقالت الثانية: خيرهم السيد الكريم ذو الحسب العميم والمجد القديم ، قالت الثالثة: خيرهم السخي الوفي الذي لا يغير الحرة ولا يتخذ الضرة ، وقالت الرابعة: وأبيكن إن في أبي لنعتكن كرم الأخلاق والصدق التلاق والفلج عند السباق ويحمد أهل الرفاق ، ووقتها قالت العجفاء: كل فتاة بأبيها معجبة.
ثم إنهن تساءلن وقلن: فأيّ الرجال أفضل؟ فقالت إحداهن: خيرهم الحظي الرّضي غير الحظال "والحظال يُقصد به: المقتر المحاسب لأهله على ما ينفقه عليهم، ولا التبال "أي الرجل الذي يضفي على حديثه شيئًا من المتعة والطرافة والاهتمام"، أما الثانية، فقالت: خيرهم السيد الكريم، ذو الحسب العميم والمجد القديم، وأضافت الثالثة: خيرهم السخي الكريم الوفيّ الذي لا يغير الحرّة، ولا يتخذ الضرّة، ثم قَالت الرابعة: وأبيكن إنّ في أبي لنعتكن كرم الأخلاق، والصدقَ عند التلاق، والفلج "أي الفَوز والظفر بالشيء" عند السباق، ويحمده أهل الرِفاق، عند ذلك قالت العجفَاء: "كل فتاة بأبيها معجبة". رواية أخرى لقصة مثل "كل فتاة بأبيها معجبة": في روايات أخرى أن إحدى النساء قَالت: إن "أبي يكرِم الجوار ويعظم النار وينحر العشار "أي صغار الإبل" بعد الحوار، ويحل الأمور الكبار"، أما الثانية، فَقَالت: "إن أبي عظيم الخطر، منيع الوزر، عزيز النفر، يحمد منه الورد والصدر"، ثم قالت الثالثة: "إن أبي صدوق اللسان، كثير الأعوَان، يروي السنان عند الطعان"، وقَالت الرابعة: "إن أبي كريم النزال، منيف المقَال، كثير النوال، قليل السؤال، كريم الفَال".
واعْلمي أنَّ الرجل ليس لَحْمًا على عظْم، وقميصًا على سروال، وقبَّعة على قصعة شعر، إنَّ الرجل همَّة وخلُق، وشرف ومبادئ، وغَيْرة ونَخْوة، وكرامة وسُمُو، ونجْدة وفتوَّة. ومَن نظرَتْ إلى الرجل بغير هذا المقياس، فلن تَجِد فيه ما تحتاجه فطْرتُها، ولن تُحِسَّ معه بالأمان الذي تريده أنُوثتُها، ومتَى ما وفِّقَتْ لشَهْم نبيل، كريم المَحْتِد، شريف النَّفْس، سامي الأخْلاق، فإنَّها ستجد معه لذَّة الحبِّ ومتْعة الأمان، وسيملأ من قلبها ما يُغْلِق عينها عن كلِّ الرجال ذَوِي الصدور الرياضية، والأخلاق النسائية. وبعد أن تَستفِيقي من حبِّك الغبِي، وتنتبهي من أحلامك البَلْهاء، وتُدركي حقائق الأشياء، وتَأخذي من دروس الحياة، انظُري إلى أبيك الشَّريف وأمِّك الطاهرة، فافْتخري بهما، وقولي: كلُّ فتاة بأبيها مُعْجَبة.
يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:58-59]. إن كراهة إنجاب الأنثى في حقيقته هو عدم رضا عن عطاء الله وهبته ومنته، وإظهار السخط على قدر الله ونعمه، فالذكور هبة من الله يهبها لمن يشاء، والإناث أيضاً هبة من الله يهبها لمن يشاء، ويهب لمن يشاء الاثنين معاً، ويحرِم من يشاء من الاثنين معاً لحكمة هو وحده الأعلم بها. وهناك بعض أسباب لكراهيتهم إنجاب البنات وكلها أسباب واهية مصطنعة مرذولة لا أساس لها ولا قيمة ومنها: - سبب مادي مثل الخوف من انتقال نصيبها من ميراث عائلتها إلى زوجها الذي قد يكون غريباً عن تلك العائلة فتفقد العائلة المال بإنجاب البنات. - سبب قبلي أو عشائري لأن البنت لا تساهم في زيادة عدد أفراد عائلتها أو قبيلتها وبزواجها لا تُمثِّل امتداداً لوالدها وعائلتها لكونها تُنجِب أطفالاً يحملون اسم ولقب عائلة زوجها لا عائلة أبيها. - سبب سلوكي نظراً لاعتبارها مجلبة للعار إن أخطأت؛ فالخوف الشديد على شرفها وعفتها يجعل الأب يضيق عليها الخناق ويحيطها بسياج من القيود والسيطرة والقسوة ظناً منه أنه يحميها من خطر الانحراف أو سوء السمعة.
فهذا الأب يقطع كل جسور الحوار أو المناقشة أو حتى التواجد المكاني بينه وبين بناته, فلا يستمع إليهم ولا يستمعون إليه إلا في لحظة إصداره لأوامره فقط, ولا يستطيع الأب أن يوجد شكلا من أشكال التفاهم بينهما, وتعتمد البنت دائما على الوساطة بينها وبين أبيها, فإن دار الزمان دورته, وفُقدت تلك الواسطة, انقطعت الصلة بينهما نهائيا, ولن يستطيع الأب غالبا إيجادها مرة أخرى مهما حاول أو مهما حاولت الفتاة.