ولما فشلت هذه الجهود الباطلة، استعان كفار قريش بالخبرات الأجنبية (المتعلمين)؛ فسألوا زعيمين من اليهود جاءا إلى مكة، هما حُيي بن أخطب وكعب بن الأشرف، فقالوا لهما: أنتم أهل الكتاب وأهل العلم، فأخبرانا عنا وعن محمد. فقالا: ما أنتم وما محمد … أنتم خير وأهدى سبيلا. يريدون ان يطفئوا نور الله. وذلك ليعزز سادة قريش موقفهم أمام أتباعهم، في صورة قديمة لما يحدث اليوم من استضافة خبراء ومستشارين في ندوات ومؤتمرات وعلى الشاشات وفي وظائف خاصة! فأنزل الله تعالى قوله: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً" (النساء، الآية 51). وتواصل العدوان اليهودي في التشكيك بالرسالة المحمدية ونور الله عز وجل في المدينة المنورة أيضاً. وقد سجل القرآن ذلك، فقال تعالى: "وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (آل عمران، الآية 72). وفي المدينة أيضا، وبعد تكون الدولة النبوية، ظهر صنف جديد من أعداء الإسلام ونور الله عز وجل، هم المنافقون.
33 – (هُوَ) الله (الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) محمّداً (بِالْهُدَى) أي بالقرآن الذي هو هداية إلى الطريق المستقيم (وَدِينِ الْحَقِّ) الذي لا يخالطه باطل كما خالط دين اليهودية والنصرانية حيث جاءهم ملوك بدّلوا دينهم وغيّروا نهجهم فعبدوا البعليم وعشتاروث وغيرها ، وكذلك النصرانية عبدوا المسيح والصليب فخلطوا الحقّ بالباطل. ثمّ أخبر سبحانه بأنّ الحقّ سيعلو ودين الإسلام يسود الأديان في المستقبل فقال (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) يعني ليظهر الله دين الإسلام في المستقبل على سائر الأديان ويُعلي شأنه فوق الجميع ، وذلك وقت ظهور المهدي (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) دين الإسلام. آراء المفسرين جاء في مجمع البيان للطبرسي في الجزء الخامس صفحة 25 قال: "إنّ ذلك يكون عند نزول المسيح عيسى بن مريم لا يبقى أهل دين إلاّ أسلم أو أدّى الجزية ، عن الضحّاك ، وقال أبو جعفر (ع) إنّ ذلك يكون عند خروج المهدي فلا يبقى أحد إلاّ أقرّ بمحمّد وهو قول السدي ، وقال الكلبي لا يبقى دين إلاّ ظهر عليه الإسلام وسيكون ذلك ولم يكن بعد ولا تقوم الساعة حتّى يكون ذلك ، وقال المقداد بن الأسود سمعت رسول الله يقول لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلاّ أدخله الله كلمة الإسلام إمّا بعزّ عزيز وإمّا بذلّ ذليل. اية يريدون ان يطفئوا نور الله. "
صورة ذات معالم واضحة وحدود مرسومة ، تترسمها الأجيال لا نظرية في بطون الكتب ، ولكن حقيقة في عالم الواقع سطعت شمسها على العالم, وأتم الله نوره فأكمل للمسلمين دينهم وأتم عليهم نعمته ورضي لهم الإسلام ديناً يحبونه ، ويجاهدون في سبيله ، ويرضى أحدهم أن يلقى في النار ولا يعود إلى الكفر, فتمت حقيقة الدين في القلوب وفي الأرض سواء.
[التوبة]. {5}.