وقال: وخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، قال الواقدي: وهو ابن خمس عشرة سنة، وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة، ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من أبي سعيد الخدري بالأحداث.
وقد تقرر من القاعدة التي قدمناها أن من علمنا أنه روى عن المختلط في حال سلامته قبلنا روايته واحتججنا بها ، ومن روى في حال الاختلاط أو شككنا فيه لم نحتج بروايته. وقد قدمنا أيضا أن من كان من المختلطين محتجا به في الصحيحين فهو محمول على أنه ثبت أخذ ذلك عنه قبل الاختلاط. والله أعلم. وأما أبو نضرة بفتح النون وإسكان الضاد المعجمة فاسمه المنذر بن مالك بن قطعة بكسر القاف وإسكان الطاء العوقي بفتح العين والواو وبالقاف. هذا هو المشهور الذي قاله الجمهور. إسلام ويب - شرح النووي على مسلم - كتاب الإيمان - باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين- الجزء رقم1. وحكى صاحب ( المطالع) أن بعضهم سكن الواو من بطن من عبد القيس وهو بصري. والله أعلم. وأما ( أبو سعيد الخدري) فاسمه سعد بن مالك بن سنان منسوب إلى بني خدرة وكان أبوه مالك - رضي الله عنه - صحابيا أيضا قتل يوم أحد شهيدا. قوله - صلى الله عليه وسلم - ( فتقذفون فيه من القطيعاء) أما تقذفون فهو بتاء مثناة فوق مفتوحة ثم قاف ساكنة ثم [ ص: 157] ذال معجمة مكسورة ثم فاء ثم واو ثم نون كذا وقع في الأصول كلها في هذا الموضع الأول ومعناه تلقون فيه وترمون. وأما قوله في الرواية الأخرى وهي رواية محمد بن المثنى وابن بشار عن ابن أبي عدي: وتذيفون ( به من القطيعاء) فليست فيها قاف وروي بالذال المعجمة وبالمهملة وهما لغتان فصيحتان وكلاهما بفتح التاء وهو من ذاف يذيف بالمعجمة كباع يبيع وداف يدوف بالمهملة كقال يقول ، وإهمال الدال أشهر في اللغة.
[٤] وبمعنى آخر فإنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر عما سوف يطرأ على أحوال المسلمين، وعما سيبدر منهم من أقوال أو أفعال نهى عنها الشرع الإسلامي، مثل التشبُّه بأهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، فقد حرَّم الله تعالى التشبُّه بأقوالهم وأفعالهم جميعها حتَّى لو أريدَ بذلك خيرًا، فقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة أثناء طلوع الشمس وأثناء غروبها وذلك حتى لا يشابه ذلك فعل المشركين عندما يسجدون للشمس في ذلك الوقت. [٥] مع أنَّ المسلم لا يخطر ذلك في باله ولكنَّ الصلاة لا تجوز في ذلك الوقت، ومثل ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، [٦] لأنَّ الكفار كانوا يقولون للنبي أثناء محادثتهم: راعنا، أي اسمع كلامنا وانظر إلينا ببصرك، ولكنَّهم يقصدون به شتيمةً من الرعونة، فنهى الله تعالى عن ذلك، لذلك فقد حرَّم الحديث اتباع المشركين وأهل الكتاب، وعدم الالتفات إلا إلى شرع الله تعالى واتباع المؤمنين والمتقين من المسلمين، والله تعالى أعلم. [٧] معاني المفردات في حديث: لتتبعن سنن من كان قبلكم بعد التعرُّف على معنى حديث: لتتبعن سنن من كان قبلكم ، سيُشار إلى معاني المفردات فيه، حيثُ تساعد معاني المفردات على الإحاطة بمعنى الحديث أكثر، والوصول إلى المقصود منه، وخصوصًا إذا وجدت بعض الكلمات التي قد تكون غامضة بالنسبة للكثيرين، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج معاني المفردات في حديث: لتتبعن سنن من كان قبلكم: لتتبعن: من الفعل اتَّبع يتَّبع اتِّباعًا، الفاعل متَّبِع والمفعول متَّبَع، تتبَّع خطى أبيه: اتَّخذ نهجه وحمل نفس الأفكار وتصرف بذات التصرفات، اتبع أهواءَ سيده: خضع لها وانقاد إليها بالكلية، اتبع الشيءَ: طلبه وسارَ وراءه ومشى على نفس الخطوات.
المتكلم بالحق لم يتراجع أبو سعيد عن حق، ولا نكص عن نصيحة واجبة، بل كان يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق، إذا رآه أو علمه، وهو الذي بايع النبي على قول الحق، ويقول: فحملني ذلك على أن ركبت إلى معاوية فملأت أذنيه ثم رجعت. وعن عاصم عن ابن سيرين قال: كان أبو سعيد الخدري قائماً يصلي، فجاء عبدالرحمن بن الحارث بن هشام يمر بين يديه، فمنعه، وأبي إلا أن يمضي، فدفعه أبو سعيد فطرحه، فقيل له: تصنع هذا بعبدالرحمن؟ فقال: والله لو أبى إلا أن آخذه بشعره لأخذت.
الناصح الأمين آثر وآخرون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتجنبوا الفتنة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وكان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن، ولذلك كان له موقف من فتنة الحسين ويزيد وفتنة الحرة في المدينة المنورة.