إن هذا الموقف يُوضِّح عدالة النبي صلى الله عليه وسلم التي وقفت في مواجهة مشاعر الأبوة الصادقة، فلم يَحكُم النبي بشيء يُميِّز به ابنته، ولم يقطع أمرًا دون صحابته، وكان بإمكانه أن يحكم، ولن يَرُد أحدٌ حُكمَه، ولكنه العدل النبوي قد مُزِج بمشاعر الأبوة الصادقة، فبلغ الكمال في الجهتين. إيهاب كمال أحمد ---------------------- [1] ( السيرة النبوية لابن هشام [2/607-608]، والبداية والنهاية [3/23]). [2] (تاريخ الطبري تاريخ الأمم والملوك [2/34]، دار الكتب العلمية - بيروت). دفع الفدية في مكة وإحالته للنيابة. [3] (أخرجه البخاري [2352]). [4] (تاريخ الطبري تاريخ الأمم والملوك [2/43]). 5 1 8, 832
ذات صلة شروط ذبيحة النذر حكم الذبح لدفع العين شروط ذبيحة الفدو توجد العديد من الشُّروط في ذبيحة الفدو حتى تكون جائزة، وفيما يأتي ذكرٌ لهذه الشُروط: [١] أن يكون القصد منها شُكر الله -تعالى-، بإطعام المُحتاجين والفُقراء، والإحسان إليهم، وليس أن يكون المقصود منها دفع السّوء أو جلب الخير. مذاهب العلماء فيمن دفع قيمة الفدية لمساكين خارج الحرم - إسلام ويب - مركز الفتوى. [٢] أن تكون ذبيحة الفدو إن كانت أُضحيةً أو عقيقةً أو هدياً؛ فيُشترطُ في عُمرها؛ إن كانت من الإبل أن يكون لها خمس سنين فأكثر، وإن كانت من البقر سنتان فأكثر، وإن كانت من الضّأن ستّة أشهر فأكثر، وإن تعيّنت فلا يجوزُ بيعُها، أو هبتها، أو استبدالها، كما يجب أن تكون من بهيمة الأنعام، وبُلوغها السُن المُعتبرُ في الشرع، وأن تكون سليمةً من العُيوب، وأفضلها أسمنها وأغلاها وأنفسها عند أهلها. [٣] أن تكون النية منها القُرب من الله -تعالى-، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى). [٤] أن تكون ذبيحة الفدو سليمةً من العُيوب إن كان المقصودُ منها الأُضحية ، فلا تُجزئ العوراء، والعمياء، والضعيفة، والعرجاء، والهتماء؛ وهي التي ذهب ثناياها من أصلها، وقد قال ذلك النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-: (أربعٌ لا تجوزُ في الأضاحي: العوراءُ البيِّنُ عوَرُها ، والمريضةُ البيِّنُ مرضُها ، والعرجاءُ البيِّنُ ظلْعُها ، والكسيرُ – وفي لفظ – والعجفاءُ التي لا تُنقِي) ، [٥] وألحق الفقهاء بذلك كل ما كان به عيب فاحش، أو ما يُنافي كمال السلامة فيها، ويُكرهُ فيها ما كانت مكسورة السن في غير الثنايا.
والمقصود: أن الصلة والإحسان للكفار الذين ليس بيننا وبينهم حرب في حال الهدنة، أو في حال العهد، والذمة، أو في حال الأمان إذا رآها ولي الأمر، أو رآها الإنسان مع أقاربه، أو مع غيرهم؛ لا بأس بها، بل فيها تأليف للقلوب، ودعوة إلى الإسلام وترغيب فيه ليعلموا أن الإسلام يرغب في الإحسان، ويدعو إلى الإحسان مع أهله، ومع غير أهله ممن ليس حربًا لنا. وكم حصل بالإحسان من خير عظيم، جماعة كثيرون كانوا يبغضون النبي ﷺ ويعادونه، ولما أحسن إليهم، وواساهم؛ أحبوه، ودخلوا في الإسلام. ومن ذلك صفوان بن أمية قال : ما هناك أحد أبغض إلي من محمد -عليه الصلاة والسلام- فلم يزل يعطيني، ويعطيني؛ حتى صار أحب الناس إلي، وحتى أدخل الله علي الإسلام. هذا كلامه، أو معناه. جريدة الرياض | كفارة «الفدية» أهون من تكاليف حملة الحج..!. وهكذا قال غيره ممن أحسن إليهم النبي ﷺ وقد جاءه أعرابي يسأله، فأعطاه غنمًا، فذهب إلى قومه، وقال: يا قوم! أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. فالمقصود: أن الإحسان في المسلم وغيره ينفع كثيرًا، يقوي إيمان المسلم إذا أعطاه ولي الأمر، أو أعطاه المسلمون، أعطاه إخوانه من زكاتهم، وصدقاتهم، وهو محتاج يقوى إيمانه، ويقوى حبه لإخوانه المسلمين، ويقوى عمله في الإسلام، وإذا أحسن المسلمون إلى غيرهم من الكفار، ولاسيما الرؤساء والكبار، كان ذلك فيه خير عظيم، فيه دعوة لهم إلى الإسلام، وإخبار لهم بما في الإسلام من الخير والإحسان والجود على خصومه إذا لم يكونوا حربيين.
فحين طالب سواد بحقه في القَوَد والقِصاص، لم يتردَّد القائد الأعلى للجيش ورسول رب العالمين في منْحهِ فرصة الاقتصاص، وإن لم يكن يَقصِد إيذاءه وإيجاعه من البداية؛ ليَضرِب بذلك مثلاً رائعًا للعدالة في الإسلام. ومن مواقف العدالة السامية: نَهْي النبي صلى الله عليه وسلم عن قَتْل من خرج مع قريش مُكْرَهًا؛ حيث قال: « إني قد عرفتُ أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أُخرِجوا كرهًا، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي أحدًا من بني هاشم، فلا يقتله، ومَن لقي أبا البحتري، فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبدالمطلب، فلا يقتله؛ فإنه إنما خرج مُستكرَهًا » [2]. وإن تَرْك قتال المكره في هذا المقام الصعب فيه تحقيق لأسمى معاني العدل والإنصاف. طريقة دفع الهدي عن طريق الراجحي وحكم توكيل البنك في الهدي - موقع محتويات. ومن مواقف العدل: رفض الرسول صلى الله عليه وسلم إعفاء عمه من دفْع الفدية ومساواته بالأسرى، رغم أنه كان مسلمًا ويُخفي إسلامه؛ فعن أنس رضي الله عنه أن رجالاً من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه، فقال: « لا تَدَعون منه درهمًا » [3]. عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثتْ زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بن الربيع بمال، وبعثتْ فيه بقِلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها"، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقَّ لها رقة شديدة، وقال: « إن رأيتم أن تُطلِقوا لها أسيرَها، وتَرُدوا عليها الذي لها، فافعلوا »، فقالوا: "نعم يا رسول الله"، فأطلقوه ورَدُّوا عليها الذي لها[4].