السؤال ما هو الفرق بين الحكمة، والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن؟ الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فقد قال الله سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {النحل:125}. فالحكمة هي التعريف بالحق، وهذه المرتبة للمستجيبين الطالبين للحق، والموعظة الحسنة هي قرن الحكمة بالترغيب والترهيب، وهذه المرتبة للغافلين المعرضين، وأما مرتبة الجدال، فهي للمعارضين المعاندين. قال ابن تيمية: الإنسان له ثلاثة أحوال: إما أن يعرف الحق ويعمل به، وإما أن يعرفه ولا يعمل به، وإما أن يجحده. فأفضلها أن يعرف الحق ويعمل به. والثاني: أن يعرفه، لكن نفسه تخافه، فلا توافقه على العمل به. رتب مراتب الدعوة إلى الله كما في قوله تعالى ادع الى سبيل ربك. والثالث: من لا يعرفه، بل يعارضه. فصاحب الحال الأول هو الذي يدعى بالحكمة؛ فإن الحكمة هي العلم بالحق والعمل به. فالنوع الأكمل من الناس من يعرف الحق ويعمل به، فيدعون بالحكمة. والثاني: من يعرف الحق، لكن تخالفه نفسه، فهذا يوعظ الموعظة الحسنة.
هذه المراتب العظيمة من تأملها وطبقها على الناس، عرف أن الله ذكر الدواء الناجع لكل نوع من أنواع المدعوين، النوع الذي يجهل ويقبل التعليم ولو عُلِّم لتبع، والنوع الذي عنده غفلة وتأخر فيدعى بالموعظة الحسنة، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب وهما من أعظم أنواع الوعظ، ثم هناك معاند جاحد يجادل بالتي هي أحسن؛ بالبرهان والحجة واللسان القويم، وربما يكون عند بعض الناس خلفيات ثقافية، أو معلومات مسبقة خاطئة، فيحتاجون إلى محاورة، ومجادلة لكشف زيف ما يعتقدونه، والرد على الشبهات التي يأتون بها. وقد حاور النبي -صلى الله عليه وسلم- وفد نصارى نجران لما جاءوه، ونزلت سورة آل عمران محاورة ومجادلة لأهل الكتاب، ولوفدهم الذين جاءوا من نجران، وحاور النبي -صلى الله عليه وسلم- عدي بن حاتم وقد كان من زعماء النصارى، فحاوره بما هو موجود عنده في الكتاب، وبما يعلمه من دينه، وحاوره بأشياء، وأوقفه على أمور عجيبة، وسأل عمران فقال: (كم إلهاً تعبد؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء) ، فسأله عن الإله الذي يعده للرغبة والرهبة، وعند نزول الملمات، وفي الأحوال الخطيرة وأي واحد هو من هذه الآلهة السبعة؟ فكانت نتيجة المحاورة أن قال: (إنه الذي في السماء) إذاً هو أولى بالعبادة.
كما حاور عليه الصلاة والسلام أشخاصاً كثيرين. ولم يتوانَ صلى الله عليه وسلم في بذل أساليب الدعوة، سواء كان بالكلام، أو بالقدوة والفعال، كما ربط الأسير في المسجد ليسمع كلام الله وينظر أفعال المسلمين، وكيف يعيش المجتمع الإسلامي، وأرسل الرسائل إلى عظماء الأرض يدعوهم إلى الله. أيها المسلمون! حري بنا أن نتبع الأساليب الناجعة في الدعوة إلى الله، وألا نيأس من هداية الخلق، وأن نقوم بهذا الواجب الذي فرطنا فيه، فكم يوجد بيننا ممن لا يعلم شيئاً عن الإسلام؟! فتاة تقدم إليها أحد الخطاب، وهي ممن ينتسب إلى جمهور المسلمين، فحدثها عن الصلاة والحجاب؟ فقالت: أما الصلاة فلا أصلي، قال: لِمَ؟! مراتب الدعوة قي قوله تعالى ادع إلى سبيل ربك بالحكمة.... - إسلام ويب - مركز الفتوى. قالت: لا أعرف كيفية الصلاة، قال: ما رأيت أناساً يصلون؟ قالت: نادراً، قال: ما تعلمت الصلاة في المدرسة؟ قالت: أدخلتني أمي مدرسة إنجليزية، فما علمونا الصلاة -وهي تعيش بين المسلمين- قال لها: المسألة بسيطة طهارة وصلاة، فقالت: الدنيا برد!! إذاً: ربما يوجد بين المسلمين من أبناء المسلمين من يجهل الدين بالكلية، ويوجد من ذهب إلى الكفار، ورجع وهو مغسول الدماغ، يستقبل صاحبه المبتعث في المطار، وقد كان يعرفه قبل الابتعاث إنساناًً مستقيماًَ أو مصلياً على الأقل، ولما رجع به من المطار بعد عناق واستقبال حار، كان وقت الصلاة قد حان؛ فأوقف السيارة بجانب أحد المساجد، وقال لصاحبه: ننزل، قال: ولِمَ؟ قال: لنصلي، قال: تغير علمك، لقد أصبحتُ نصرانياً، وأخرج الصليب من صدره فأراه إياه.
(صحيح)، رواه الشيخان وابو داود عن أبي هريرة. وانظر للشيخ الالباني مختصر مسلم/ 1803، وارواء الغليل/1220. [6] قلت ورواه ابن حبان في صحيحه: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس من جدعاء؟) قالوا: يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين). مراتب الدعوة الى الله. وصححه الشيخ الالباني في التعليقات الحسان/133. [7] انظر غير مأمور: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول / الشيخ حافظ بن أحمد بن علي الحكمي (المتوفى: 1377هـ)، تحقيق عمر بن محمود أبو عمر، الناشر دار ابن القيم - الدمام، الطبعة الأولى، 1410 هـ - 1990 م، 3/920 - 924. [8] الدكتور محمود الرضواني / دورة "منة القدير" بميت الرخا غربية / مصر - المحاضرة الثامنة، عنوان المحاضرة: المرتبة الأولى من مراتب القدر العلم. موقع الرضوانية - دار العقيدة المصرية.
تعدُّ العبادة بمثابة الغاية الكبرى في كلِّ رسالة إلهية؛ بحسب ما تفيد الآية القرآنية: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُون}. (الأنبياء: 25) كما وصف بها سبحانه ملائكته المقربون، فقال تعالى: { وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُون} (الأنبياء: 19)، ونعتَ صفوة خلقه بالعبودية له، فقال تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} وقال أيضا: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا}.