الحالة التي يجوز فيها الاحتجاج بالقدر. ذكر بعض العلماء أن ممن يسوغ له الاحتجاج بالقدر التائبُ من الذنب ، فلو لامه أحد على ذنب تاب منه لساغ له أن يحتج بالقدر. فلو قيل لأحد التائبين: لم فعلت كذا وكذا ؟ ثم قال: هذا بقضاء الله وقدره ، وأنا تبت واستغفرت ، لقُبل منه ذلك الاحتجاج ، لأن الذنب في حقه صار مصيبة وهو لم يحتج على تفريطه بالقدر بل يحتج على المصيبة التي ألمت به وهي معصية الله ولا شك أن المعصية من المصائب ، كما أن الاحتجاج هنا بعد أن وقع الفعل وانتهى ، واعترف فاعله بعهدته وأقر بذنبه ، فلا يسوغ لأحد أن يلوم التائب من الذنب ، فالعبرة بكمال النهاية ، لا بنقص البداية.
تسجيل المستخدمين الجدد تم تعليقه مؤقتاً. الرجاء المحاولة لاحقاً.
شبهة الاحتجاج بمحاجَّة آدم موسى: ادَّعى بعضهم الاحتجاج بالقدر على المعاصي بما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احتج آدم وموسى، فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة، فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، ثم تلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق! » ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فحج آدمُ موسى مرتين» ( [10]). قد أجاب العلماء عن تلك الشبهة بأجوبة كثيرة، ويمكن تلخيصها فيما يلي( [11]): منزلة سيدنا آدم -عليه السلام- كبيرة، وهو نبيّ يوحى إليه، وقد بلغ من العلم مبلغًا عظيمًا، يمتنع معه أن يحتجَّ بالقدر على فعل الذنوب والمعاصي. إن موسى -عليه السلام- قام بتوجيه اللوم إلى آدم -عليه السلام- بسبب المصيبة التي وقعت عليه وعلى ذريته بالخروج من الجنة، ولم يكن لومه موجهًا إليه بسبب الذنب؛ ذلك أن الله تعالى قد تاب على آدم واجتباه؛ فقال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: 121، 122]، فكيف يلومه موسى على ذنب قد تاب منه؟! حينئذٍ قام آدم بمحاجّة موسى مستدلًّا بأن ما وقع من المصيبة -وليس الذنب الذي تاب منه- إنما كان بقدر من الله تعالى، قبل أن يخلق آدم، وبهذا حج آدمُ موسى، وغلبه بالحجة.