وهكذا وضعت أسس دعوة وتبعها قيام دولة. عمت أرجاء الجزيرة العربية وانتشرت وزادت رسوخاً حتى وقتنا المعاصر. ألف الشيخ محمد بن عبد الوهاب عدداً من الرسائل والمؤلفات أغلبها متداول مطبوع، وله بعض الرسائل المخطوطة. وتخرج على يديه عدد كبير من العلماء الذين أخذوا من علمه ونهلوا من تعليمه. مازالت أصداء هذه الدعوة تتردد حتى اليوم ما بين مغالٍ مادح أو ذام قادح و نسبة هذا الدعوة إلى الوهابية لمزاً للطعن عليها وقد أنصفها المؤرخون والكتاب بأنها دعوة وسطية سلفية تتبع ماجاء في الكتاب والسنة المطهرة. توفى الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدرعية وقبر بها عام 1206/1792م.
ثم فتح الله على آل سعود مكة والمدينة، وأظهرا فيها العقيدة الصحيحة، وهدما ما على القبور من البنيات، من القباب وغير ذلك في مكة والمدينة، وأوضحوا للناس حقيقة التوحيد، وكان فتح مكة والمدينة على آل سعود بعد موت الشيخ -رحمه الله- في السنة الثامنة عشرة من الهجرة، بعد القرن الثاني عشر... عام ثماني عشرة ومائتين وألف، وكان الشيخ توفي رحمه الله سنة ست ومائتين. والمقصود: أن دعوة الشيخ محمد دعوة سلفية، دعوة صحيحة، وهو إمام محقق، فتح الله عليه في هذا الباب، ودعا إلى الله، وأرشد إلى الله، وصبر على الأذى، وعلى معاداة من عاداه من أقاربه وغيرهم؛ حتى نصره الله عليهم، وحتى أظهر الله الحق على يديه، ثم على يدي أبنائه بعده، وعلى يدي الأمراء من آل سعود، فجزاهم الله جميعًا خيرًا، ورحمهم رحمة واسعة، وضاعف لهم المثوبة. ولم تزل هذه الدعوة -بحمد الله- قائمة على يدي آل الشيخ، وآل سعود، وعلى يدي العلماء، علماء الشريعة علماء العقيدة، من علماء الجزيرة، يدعون إلى الله، ويعلمون الناس دين الله. وهكذا انتشرت في خارج الجزيرة في الشام والعراق ومصر وفي الهند وغيرها، نقلها العلماء إلى هذه البلدان، ونفع الله بها من شاء من العباد، وذلك بتوفيق من الله، ورحمة من الله لمن نقلها، ولمن نقلت إليه.
قال – رحمه الله -: وأما ما ذُكر لكم عني: فإني لم آته بجهالة ، بل أقول ولله الحمد والمنة وبه القوة: إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيَما ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ، ولست - ولله الحمد - أدعو إلى مذهب صوفي أو فقيه أو متكلم أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم مثل ابن القيم ، والذهبي ، وابن كثير ، أو غيرهم. بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له ، وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها أول أمته وآخرهم ، وأرجو ألا أرد الحق إذا أتاني ، بل أشهد الله وملائكته وجميع خلقه إن أتانا منكم كلمة من الحق لأقبلنها على الرأس والعين ، ولأضربن الجدار بكل ما خالفها من أقوال أئمتي ، حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقول إلا الحق. " الدرر السنية " ( 1 / 37 ، 38). وقال – رحمه الله -: عقيدتي وديني الذي أدين به: مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة. " الدرر السنية " ( 1 / 64). ردَّ الشيخ – رحمه الله – بنفسه على جملة من الافتراءات عليه من قبل خصومه وأعدائه تنفيراً منه ومن دعوته. " إذا تبين هذا فالمسائل التي شنع بها منها: ما هو من البهتان الظاهر: 1.