السور المدنية يدلُّ مصطلح السور المدنية الذي يستخدمه الفقهاء من أهل العلم والتفسير على جميع سور القرآن الكريم التي نزلَت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتلقَّاها من جبريل -عليه السلام- في المدينة المنورة، أو بمعنى آخر أكثر دقةً هي السور التي نزلَت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة من مكة إلى المدينة وحتى لو كان نزولها في مكة المكرمة كما قال بعضُ الفقهاء، وقد اتَّفق الفقهاء على أنَّ السور المدينة في كتاب الله تعالى عشرون سورة منها سورة التحريم، وهناك 12 سورة مختلفٌ عليها بين الفقهاء وباقي السور هي من السور المكية، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول سورة التحريم ومقاصد سورة التحريم.
حدثني يعقوب، قال: ثني ابن علية، قال: ثنا داود بن أبي هند، عن الشعبيّ، قال: قال مسروق إن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حرّم جاريته، وآلى منها، فجعل الحلال حرامًا، وقال في اليمين: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ. حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا سفيان، عن داود، عن الشعبيّ، عن مسروق، قال: آلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وحرّم، فعوتب في التحريم، وأمر بالكفارة في اليمين. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة التحريم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، عن مالك، عن زيد بن أسلم، قال لها: أنت عليّ حرام، ووالله لا أطؤك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ) قال: كان الشعبي يقول: حرّمها عليه، وحلف لا يقربها، فعوتب في التحريم، وجاءت الكفارة في اليمين. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وعامر الشعبيّ، أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حرم جاريته. قال الشعبيّ: حلف بيمين مع التحريم، فعاتبه الله في التحريم، وجعل له كفارة اليمين.
ضرب الله مثلا لحال هؤلاء الكفرة في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم, وأن ذلك لا ينفعهم لكفرهم بالله- بحال زوجة نبي الله نوح, وزوجة نبي الله لوط: حيث كانتا في عصمة عبدين من عبادنا صالحين, فوقعت منهما الخيانه لهما في الدين, فقد كانتا كافرتين, فلم يدفع هذان الرسولان عن زوجتيهما من عذاب الله شيئا, وقيل للزوجتين: ادخلا النار مع الداخلين فيها. وفي ضرب هذا المثل دليل على أن القرب من الأنبياء, والصالحين, لا يفيد شيئا مع العمل السيء. وضرب الله مثلا لحال هؤلاء المؤمنين- الذين صدقوا الله, ووحدوه, وعملوا بشرعه, وأنهم لا تضرهم مخالطة الكافرين في معاملتهم- بحال زوجة فرعون التي كانت في عصمة أشد الكافرين بالله, وهي مؤمنة بالله, حين قالت, رب ابن لي دارا عندك في الجنة, وأنقذني من سلطان فرعون, ومما يصدر عنه من أعمال الشر, وأنقذني من القوم التابعين له في الظلم والضلال, ومن عذابهم. مقاصد سورة التحريم - سطور. وضرب الله مثلا للذين آمنوا مريم بنت عمران التي حفظت فرجها, وصانته عن الزنى, فأمر الله تعالى جبريل عليه السلام أن ينفخ في جيب قميصها, فوصلت النفخة إلى رحمها, فحملت بعيسى عليه السلام, وصدقت بكلمات ربها, وعملت بشرائعه التي شرعها لعباده, وكتبه المنزلة على رسله, وكانت من المطيعين له.
*من المؤكد أن الله لم يحلل أو يحرم شيئا إلا طبقا لحسابات ومصالح دقيقة، وبناءا على هذا فلا مجال لأن يقوم الإنسان بتحليل الحرام أو تحريم الحلال حتى مع القسم فإن الحنث جائز في مثل هذه الموارد.
وإذا كان ذلك كذلك صحّ ما قلنا، وفسد ما خالفه. وبعد، فجائز أن يكون تحريم النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ما حرم على نفسه من الحلال الذي كان الله تعالى ذكره، أحله له بيمين، فيكون قوله: ( لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ) معنا: لم تحلف على الشيء الذي قد أحله الله أن لا تقربه، فتحرّمه على نفسك باليمين. وإنما قلنا: إن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حرم ذلك، وحلف مع تحريمه، كما حدثني الحسن بن قزعة، قال: ثنا مسلمة بن علقمة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبيّ، عن مسروق، عن عائشة قالت: آلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وحرم، فأُمِر في الإيلاء بكفارة، وقيل له في التحريم ( لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ). وقوله: ( وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يقول تعالى ذكره: والله غفور يا محمد لذنوب التائبين من عباده من ذنوبهم، وقد غفر لك تحريمك على نفسك ما أحله الله لك، رحيم بعباده أن يعاقبهم على ما قد تابوا منه من الذنوب بعد التوبة.
حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يدخل على كل زوجاته ، حتى يسلم عليهن ، وذلك عقب صلاة الصبح ، واعتاد النبي أن يجلس عند بيت حفصة ، حتى يشرب مما يتوفر لديها من العسل الشهي ، ولكن السيدة عائشة قد غارت مما يحدث ، فقامت على الفور ، بجمع بقية أزواج النبي محمد ، ليخبروا النبي بأن له رائحة غريبة ، وأنها غير مستحبة لهم ، وبالفعل ، كان النبي كلما دخل على زوجة من زوجاته ، فعلت ، كما قالت عائشة ، مما دفعه إلى تحريم شرب العسل على نفسه. فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآيات الكريمات ، التي تستنكر على الرسول الكريم ، أن يحرم على نفسه ، ما حلله الله إليه ، بسبب ما اتفقت عليه ، واجتمعن عليه زوجات الرسول الكريم ، صلى الله عليه وسلم ، بسبب غيرتهن من بعضهن ، وتعود النبي صلى الله عليه وسلم ، على أن يشرب العسل ، كل يوم عند السيدة زينب ، رضي الله عنها ، وأرضاها.
تاريخ النشر: الإثنين 26 جمادى الأولى 1436 هـ - 16-3-2015 م التقييم: رقم الفتوى: 288934 40824 0 689 السؤال قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون". السؤال: إن الله -جل وعلا- غني عن العالمين، وعن عبادتنا أجمعين، ولا يضره عصياننا، فلماذا خلقنا إذن؟ أرجو الرد على هذه الشبهة. الإجابــة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: فإن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه؛ كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56}.
(الجزء الثاني – سؤال يبحث عن معناه) عالجنا في المقالة السابقة أصول الشبهة والافتراضات التي بنيت عليها، وبيّنا أنها في مجملها خاطئة، ثم بيّنا أن السؤال قليل الجدوى بالنسبة للفائدة المتوقعّة من معرفة إجابته مقارنة بالسؤال الذي يسأل عن دورنا في هذه الحياة ولماذا خلقنا وكيف نعيش وإلى أين سنذهب، وهذه إجابة لا يعرفها إلا الخالق نفسه، وقد أطلعنا عليه في وحيه المنزّل، وهي "العبادة"، وهذه الإجابة كما يتضح من طبيعتها هي لمؤمن بالله أصلًا ويعتقد أنه خلقنا، ونعرض فيما يلي بعض جواب الإسلام عن الغاية من الخلق والحكمة منه. — أولًا: الله تعالى لا يفعل شيئًا عبثًا: وهذا متكرر جدًا في الوحي، فتجد الله-عزوجل- يقول: "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا؟"، وتجده يقول: "وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين"، وأنت ترى من حكمة الله في المخلوقات الشيء الكثير، فدلائل الإحكام وإتقان الصنع وتوفير المأكل والمشرب وأمور المعاش لكل هذه المخلوقات ونظام الكون الدقيق والمحكم، كلها دلائل على صانع حكيم عليم مبدع. والمؤمن يردّ المحكم للمتشابه، فيستدل بحكمة الله الظاهرة له على حكمة الله الخفية عنه التي جهلها أو لم يعلمه الله بها، كالحكمة من خلق الإنسان وابتلائه، فهذا مما لم يعلمنا به الله تعالى.
، وصواب الأمر هو أن نقول: "معرفة النوازع أو المقاصد من معرفة طباع الذات"، وإذا كانت معرفتنا بطبيعة ذات الإنسان تسمح لنا أن نقول بعلم وجزم إن لطلب الشيء عادة أسبابه التي تحمل فائدة للإنسان: كسبًا لخير أو دفعًا لشر، فإن مدّ هذه الدعوى إلى الذات الإلهية باطل لجهلنا جوهر هذه الذات، وما نعرفه عنها من العقل والنقل ولا يسمح لنا أن نتوهم في الفعل تكملة للذات"، هذا فضلًا عن كوننا ندرك بالبداهة العقلية أن الإله المحتاج لا يكون إلهًا، فالاحتياج علامة نقص، والنقص لا يكون لإله كامل، وبهذا نكون قد أثبتنا خطأ الافتراضات 2،3،4. نأتي الآن للنتيجة الأخيرة، والتي نجد فيها أيضًا مغالطة، فنقيض "العبث" ليس "الحاجة" بل "الحكمة"، وكما هو مقرر: فـ"عدم العلم ليس علمًا بالعدم"، فكوننا لا ندرك حكمة الله من فعل معيّن لا يعني بالضرورة أنه بلا حكمة فضلًا عن كوننا ندرك حكمة الله في قدر متعاظم من الأفعال والمخلوقات، وبالتالي نقيس هذه بتلك. — سؤال يبحث عن جدواه! لماذا خلقنا الله ؟ هل يحتاج الله لعبادتنا ؟ - YouTube. إن فككنا السؤال إذًا، فيحق لنا أن نسأل سؤالين: من يوجه هذا السؤال؟، وما فائدته؟ أما من يوجهه، فلأنه إن كان ملحدًا فهذا سؤال لا معنى له عنده، إذ أن الله جلا وعلا غير موجود أصلًا بالنسبة له، فما معنى أن تسأل عن فعل شيء غير موجود بالنسبة لك إلا العبث أو التشغيب؟ أما المؤمن، فهو يعرف أن لله حكمة في كل شيء، وهو موقن بهذا، فلا يبحث خلف كل حكمة تفصيلية لكل فعل إلهى، إذ هو يعرف جيدًا قوله تعالى: "ولايحيطون به علمًا"، فالخلاصة هنا: أنه سؤال قليل الجدوى، بالنسبة للملحد وللمؤمن على السواء، بل ولأي أحد، فما نعرفه حقّ المعرفة هو أننا خلقنا، وانتهى الأمر!
ولقد علّمنا القرآن على لسان عبده ونبيّه عيسى عليه السلام كيف نقف في المعرفة الدينية عند ما عرّفنا الله به، ولا نحاول الولوج إلى ما في نفسه سبحانه من معرفة لم يُطْلعنا عليها، قال سبحانه على لسان عيسى عليه السلام: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}. فنحن لا نعلم من الله عز وجل إلا ما أعلمَنا به في كتابه وعلى ألسنة رسله، وما دام لم يُعلمنا بسبب خلقه للخلق، إلا في حدود ما نحتاجه؛ كالحديث عن الغاية وهي إفراده بالعبادة، أو ذكر الابتلاء والاختبار والاختلاف.. ما دام لم يُعلمنا بأكثر من ذلك في هذا الشأن فلا مجال لنعلم ما نفسه سبحانه مما لم يُطلعنا عليه. إنّ التفكير العقلي يقود أي إنسان إلى الإقرار بعجزه عن إيجاد إجابة عن هذا السؤال؛ ذلك أنّ العقل لا يمكنه العمل إلا في إطار من الزمان والمكان، وفيما بين أيدينا من مُعطيات زمانية مكانية لا نجد إجابة عن هذا السؤال، فهو متعلّق بالله سبحانه، والله سبحانه لا يحدّه الزمان والمكان اللذان نعيش فيهما في هذه الدنيا. إنّ العقل – بِبُنيته المادية – عاجز عن اختراق حدود المادّة، ومهما حاول التفكير في شيء خارج الزمان والمكان، سواء كان علم الله الغائب عنا، أو ما قبل الخليقة، أو ما وراء الكون المادي.. فسوف يصل إلى مرحلة انسداد!
فكيف إذا كان الحديث عن سؤال لا يمتلك الإنسان الأدواتِ العلمية لمعرفة الإجابة عنه؟ إنّ العجز عن العثور على إجابة عن مثل هذا السؤال يُشعر الإنسانَ بضعفه وجهله وعجزه، وهذا الشعور جزءٌ أصيل من خصائص العبودية التي تذكّر الإنسان دائمًا بأنّه عبدٌ وليس إلها. عبدٌ دائم التعلّق بربّه، لا يستقلّ بنفسه بحال من الأحوال. ومن جهة أخرى، نحن نعلم من كتاب الله أنّ مكانتنا عند الله عظيمة، فلسنا مجرّد مخلوقات خُلقتْ لتعبد، فقد كرّمَنا ربُّنا سبحانه وفضّلَنا على كثير مِن خلقه. وقد أخبرنا سبحانه في كتابه أنّه يحبّنا إذا عبدناه حقّ عبادته. وأنه قد أعدّ لنا جنّة عرضها السموات والأرض إذا إخلصنا العبادة له وأطعناه. وأنه سبحانه يريد بنا اليُسر ولا يريد بنا العُسر. وأنّنا إذا تقرّبنا إليه شبرا تقرّب إلينا ذراعا. وأنه سميع مجيب قريب. وأنه رؤوف رحيم بنا.. فلو قرأنا كتابه وسنّة رسوله لوجدنا أنّه ما أراد بخلقنا إلا إكرامنا، وأيّة مقارنة بين وجودنا وعدم وجودنا من الأساس تُبيّن لنا أنّه إنّما أراد إكرامَنا بخلقنا، ولم يخلقنا ليعذّبنا أو ليشقّ علينا؛ فقد أكرمنا في الدنيا بما حَبانا من صفاتٍ تفرّدْنا فيها عن سائر الخلق، وأكرمَنا في الآخرة بما وعدَنا من نِعمٍ وحياة بهيجة إنْ عبدناه حقّ عبادته ولم نُشرك به شيئا.
(سؤال يبحث عن جدواه) يكثر عند تقرير الغاية التي أوجد الله من أجلها الخلق، كما قرّرها في كتابه: "وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون"، مع تقرير أن الله لا تنفعه عبادة واحد من الناس ولا تضره معصيته أو كفره أن يعترض قائل: وما الحكمة إذًا من أن يخلقنا الله وهو لا يحتاج إلينا ولا إلى عبادتنا؟. وهو سؤال نحاول معالجته فيما يلي. — فخّ الافتراضات المبطنة: كل سؤال، أيًا كان محتواه، يحتوي على افتراضات مبطنة، وله بنية فيها مقدمّات غير منطوقة يمكننا الكشف عنها، فهذا السؤال مثلًا يمكن تفكيك مقدّماته إلى المقدمات التالية: 1- فعل الإنسان وطلبه مردهما إلى سد الحاجة (مسكوت عنها) 2- وإذًا كل فعل وطلب مردهما إلى الحاجة. 3- فإن كان الله: يفعل (خلقنا) أو يطلب (منّا العبادة). 4- إذًا: فهذا لا بد أنه نابع من حاجة. 5- نتيجة ذلك إذًا: هي أن الله إما أنه خلقنا "لحاجة" /أو أنه خلقنا "عبثًا" أو بلا هدف إذا لم توجد حاجة. دعني إذًا أفاجئك أن هذه المقدمات غير صحيحة، بدءًا من الأولى! ، فمن ذا الذي يظّن أن رجلًا يطعم عصفورًا لأنه يحتاج إلى ذلك؟، ومن ذا الذي يظّن أن فنانًا يرسم لوحة لأنه "يحتاج" إلى ذلك، لا يتطوّع أحدنا بإنقاذ شخص في موقف خطر لأنه "يحتاج" إلى ذلك، لا يطلب الطبيب من المريض أن يفتح فمه لأنه "يحتاج" إلى ذلك، إن مفهوم "الحاجة" مفهوم ضيّق جدًا لتفسّر به سلوكيات البشر نفسها، صحيح هناك "أسباب" متعددة لهذه الأفعال، لكنها في الأساس ليست "الحاجة" وحدها التي تفسّرها.
والخلاصة أنّ مبتدأ الأمر أنْ يدرك الإنسان أنّه "عبد"، وليس إلها ولا متصرّفا في الخلق حتى يشرئبّ لمعرفة سبب خلق الله للخَلْق، وحتى يكون له الخيار في أن يوجَد أو لا يوجَد! للإسلام منطقه الخاص، وهو منطق مبسوط في كتاب الله عزّ وجلّ وفي سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن الضروريّ جدّا أن يقرأ المسلمون كتاب ربّهم لا قراءة ظاهرية للمعاني المباشرة للآيات فحسب، بل قراءة عميقة لمختلف المستويات الدلالية في آيات القرآن. ولو تدبّرنا قوله تعالى في سورة الأنبياء: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} ، لأدركنا أنّ هذه الآية تشكّل منهجًا في التفكير الإسلامي، وتعبّر عن المنطق الإسلامي أجملَ تعبير؛ فالأصلُ بالإنسان أن يسعى لمعرفة الإجابات عن الأسئلة التي تؤثّر الإجابة عنها في مسار حياته، فعليه أولا أن يوفّر إجابة عن أسئلة الفطرة الأربعة الأساسية: من أين جاء؟ لماذا يعيش؟ ما المنهج الذي يجب اتباعه في الحياة؟ إلى أين يمضي بعد الموت؟ وحين يترك الاهتمام بهذه الأسئلة ويسعى للإجابة عن سؤال لا يُبنى عليه أي شيء في مسار حياته؛ سيكون حينئذ قد خالف المنطق الفكري السليم، وأضرّ بنفسه من حيث لا يدري! " إنّنا ننسى أحيانًا أننا بشر من طين، نجهل أكثر مما نعرف، وما زالت هناك مساحة ضخمة جدّا من أسرار الكون والحياة لا يعرفها البشر، والعلماءُ قبل الجهلاء يقرّون بجهلهم بها " إنّ القرآن يؤسس في هذه الآية لمنهج التفكير الواقعي الذي ينبغي للمسلم أن يتحلّى به، فهي تقول للمسلم: أنت كعبد مخلوق ضعيف لا تَسأل الخالق لمَ فعل كذا وما أسباب خلقه للخلق، وإنما أنت المسؤول يوم القيامة عما تفعل، فانشغل بشأنك الذي تيقّنت منه، وهو أنك مخلوق لتعبده وتطيعه دون أن تنسى حظّك من الدنيا، فهذا هو السؤال العملي الواقعي الذي يجب أن تفكر فيه.