الكلمة يا عباد الله عنوان المرء، تترجم عن مكنونات قلبه، وتدل على مستوى إيمانه وعقله، فم العاقل ملجَمٌ، إذا همَّ بكلام ريبة أحجم، وفم الجاهل مرسَلٌ، كلما خطر على باله شيء تكلم، وبترك الفضول تكتمل العقول، والعاقل من لزم الصمت إلا عن حق يوضحه، أو باطل يدحضه، أو خير ينشره، أو فضل يشكره؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت))؛ [متفق عليه].
قال الشوكاني: (فهذا نهي قرآني عن الغِيبة، مع إيراد مثل لذلك، يزيده شدَّةً وتغليظًا، ويوقع في النفوس من الكراهة والاستقذار لما فيه ما لا يقادر قدره، فإنَّ أكل لحم الإنسان من أعظم ما يستقذره بنو آدم جبلةً وطبعًا، ولو كان كافرًا أو عدوًّا مكافحًا، فكيف إذا كان أخًا في النسب، أو في الدين؟! فإنَّ الكراهة تتضاعف بذلك، ويزداد الاستقذار فكيف إذا كان ميِّتًا؟! فإن لحم ما يستطاب ويحل أكله يصير مستقذرًا بالموت، لا يشتهيه الطبع، ولا تقبله النفس، وبهذا يعرف ما في هذه الآية من المبالغة في تحريم الغِيبة، بعد النهي الصريح عن ذلك) ، وقال الله تعالى: (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) [الهمزة: 1]. قال مقاتل بن سليمان: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ يعني الطعان المغتاب الذي إذا غاب عنه الرجل اغتابه من خلفه. خطبة عن الغيبة (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ. ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ) - خطب الجمعة - حامد إبراهيم. وقال قتادة: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه، ويأكل لحوم الناس، ويطعن عليهم ، وقال الله تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 36]. ، قال الرازي: (القفو هو البهت، وأصله من القفا، كأنه قول يقال خلفه، وهو في معنى الغِيبة وهو ذكر الرجل في غَيبته بما يكرهه) ، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «.. كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ».
2- الغِيبة تؤدي إلى الغِيبة، أي أن من اغتيب قد يدفعه غضبه إلى غيبة من اغتابه، وبهذا تنتشر هذه الصفة الذَّميمة وتصبح مرض عضال يصعب استئصاله. 3- نشر الحقد، والحسد، والكراهية، والبغضاء، بين أفراد المجتمع. 4- إفساد المودَّات، وقطع أواصر الأخوة الإيمانية، وملء القلوب بالضغائن والعداوات فعلى كل من وقعت منه الغيبة أو البهتان أو النميمة أن يتوب إلى الله منها ، وأن يستغفر فيما بينه وبين الله ، فإن علِم أنه قد بلَغ الكلامُ للمُتكلَّم عليه فليذهب إليه وليتحلل منه ، فإن لم يعلم فلا يُبلغه بل يستغفر له ويدعو له ويثني عليه كما تكلم فيه في غيبته. الدرر السنية. وكذا لو علم أنه لو أخبره ستزيد العداوة ، فإنه يكتفي بالدعاء والثناء عليه والاستغفار له. وقد روى البخاري في صحيحه: ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: « مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ » الدعاء
الغيبة كما ذكرنا محرمة بإجماع علماء المسلمين، بل هي من الكبائر ولا شك، إلا أنه يُستثنَى من ذلك ما ترجحت مصلحته، وهي أحوال مخصوصة حصرها العلماء في ستة أحوال؛ وهي: التظلم عند من يُرجَى نصرته كالقاضي، وعند محاولة تغيير المنكر، وعند سؤال المفتي، وعند تحذير المسلمين من أصحاب البدع والمنكرات؛ فلا حرمة لفاسق، وعند الشهادة والمصاهرة. وليس للغيبة كفارة إلا التوبة النصوح، ولا تصح التوبة منها إلا بأربعة شروط؛ وهي: الإقلاع في الحال، والندم على ما مضى منها، والعزم على ألَّا يعود إليها، وأن يتحلل ممن أساء إليه، خصوصًا إذا كان قد علم بإساءته، فإن لم يستطع، فليكثر له من الدعاء والاستغفار. والواجب على المسلم إذا سمع أحدًا يغتاب غيره أن ينكر عليه وينصحه، ويخبره أن هذا لا يجوز، وأن الغيبة محرمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ردَّ عن عِرض أخيه بالغيب، ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة))، فإذا لم يستجب له أو لم يستطع الإنكار، فإنه يجب عليه مغادرة المجلس وهجر المغتاب؛ وذلك لقول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68].
ا لخطبة الأولى ( أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ.. ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ) الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد أيها المسلمون روى الإمام مسلم في صحيحه: ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ». قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ: « إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ ». إخوة الإسلام لقاؤنا اليوم إن شاء الله مع هذا الحديث النبوي ، والذي يحذرنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغيبة، فالمسلم عف اللسان ، قليل الكلام ، وأعراض المسلمين عنده مصونة ،لذا فيجب على المسلم حفظ لسانه عما نُهيَ عنه ، ومن هذه المنهيَّات التي تساهل الناس في الوقوع فيها كثيراً الغيبة والبهتان والنميمة.
رقم الحدود بالجواز
وقد قررت أحاديث البشير النذير صلى لله عليه وآله وسلم هذه المعاني؛ فقال عليه الصلاة والسلام: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» رواه مسلم، وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في خطبته يوم النحر بمنى في حَجَّةِ الوداع: «إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا» رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» رواه البيهقي.