ولو آمن أولاً بالقضاء، وسلم الأمر لرب الأرض والسماء، وأخلص في الدعاء، وانتظر الفرج في وقته والنصر في حينه، وحين العاقبة في زمانها، وجميل الصنع في ساعته، وفرحة إدراك المطلوب في موعده، لو فعل ذلك كله لأَدرك سعادة من إذا أذنب استغفر، ومن إذا ابتلي صبر، وإذا أنعم عليه شكر، ولحصل على أعظم الأجر، وانشراح الصدر، ورفعة الذكر، فالله هو المقدِّر، جعل لكل شيء قدراً. لا تثمر الشجرة حتى يأتي حينها، ولا تبزغ الشمس حتى يحل ميقاتها، ولا يطل القمر حتى يحصل زمن إطلاله، ولا تضع الحامل حملها ولا تفطم ولدها إلا بأجل، ولا يندمل الجرح، ولا يبرأ الموعوك، ولا تعود الضالة إلا بعد ما يمر بالكل العمر المقدر والأجل المقرر. فاعلم أنه لا يعني بذل الأسباب حصول المطلوب في الوقت المقترح، والزمن المختار، بل في الساعة التي كتبها الله وحده، فإنه غالب على أمره، فعال لما يريد، كل شيء عنده بمقدار، وكل شيء بأجل مسمى، وقد جعل الله لكل شيء قدراً، وهو المقدِّم والمؤخِّر، أحاط بكل شيء علماً، ووسع كل شيء رحمة وعلماً، وعلَّم الكائنات لطفاً وحلماً، فقد أتى أمره فلا يستعجل، وقرب فرجه الأجمل، له الحكم وإليه ترجعون، فلكل أجل كتاب، ولكل شيء حد، ولكل بلاء زمان، ولكل حدث عمر، فسبحان المدبِّر جل في علاه، لا إله إلا هو.
فالله جعل لكل شيء قدراً، له زمن لا يتعداه، ووقت لا يتخطاه، فإذا جاء موعد المقدور، فلا يستأخر عن وقته ساعة ولا يستقدم. للكربة وقت ثم تزول، ولها زمن ثم تحول، لأن الله قد جعل لكل شيء قدراً. للمرض أيام معدودة، وليال محسوبة، ثم ينكشف لأن الله قد جعل لكل شيء قدراً. للهم ساعات، وللغم أوقات، ثم ينجلي بسرور لاحق، وفجر صادق، لأن الله قد جعل لكل شيء قدراً. للفقر أزمان ولو طالب، وللعدم أوقات ولو قست، ثم ينقشع، لأن الله قد جعل لكل شيء قدراً. فما عليك إلا أن تعمل وتحرص على الخير وتبذل الوسع، وتخلص السعي، وتصحح العمل، وتحقق العبودية، ثم اترك ثمرات الأعمال، ونتائج الأحوال، لذي العزة والجلال. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الرعد - الآية 38. لا تستعجل حصول المرغوب، وإزاحة المرهوب فالأمر ليس إليك، بل إلى من جعل لكل شيء قدراً. إن الإيمان بأعمار المصائب سلوة للمنكوبين، وإن التصديق بآجال المحن عزاء للمصابين، إن للمكروه زمن لا يتجاوزه أبداً فتخيلك في إزالته قبل حينه ضرب من الهوس، وفن من فنون الوسوسة، لأن مهمتك كيف يزول لا متى يزول؟ فمن حرص على كيفية زواله دعا وأخلص، وجد واجتهد، واتقى وصبر، وتوكل وأناب، وفوض الأمر إلى الملك الوهاب، ومن تعلّق قلبه بزمن الزوال، وارتحال المكروه، استبعد الفرج، واستبطأ الروح، وصاحبه الإحباط، ورافقه الفشل، وسامره اليأس، وحادثه القنوط، فلا يزال في أودية الاضطراب وطرق السخط والندم والحسرة واللوم وتمزيق القلب بسياط القلق، فقلبه فزع، وذهنه شارد، وحاله كاسف، وباله مشتت، وباطنه ناقم ثائر معترض شاك.
هل استعانوا بأي خبرات من الخارج؟!
42- لكل قَذَرٍ قَذِرٌ. أي: لكل عمل سيئ مَن يباشره؛ ["المستقصى" (2/ 293)]. 43- لكل عتيق حرمة؛ ["الأمثال المولدة" (ص/ 117)]. 44- لكل نعمة حمدٌ، ولكل خطيئة توبة؛ ["الأمثال من الكتاب والسنة" للحكيم الترمذي (ص/ 262)]. لكل اجل كتاب المعنى. 45- لكل قومٍ لِسْنٌ. أَي: لغة يتكلّمون بها؛ ["تهذيب اللغة" (12/ 296)، "الصحاح" (6/ 2195)]. قلت: اللسان يطلق على اللغة، كما قال تعالى: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 195]، وقال: ﴿ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 103]. وقوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ ﴾ [الروم: 22]، قال ابن كثير في "تفسيره" (6/ 309): "يعني: اللغات، فهؤلاء بلغة العرب، وهؤلاء تتر لهم لغة أخرى، وهؤلاء كرج، وهؤلاء روم، وهؤلاء إفرنج، وهؤلاء بربر، وهؤلاء تكرور، وهؤلاء حبشة، وهؤلاء هنود، وهؤلاء عجم، وهؤلاء صقالبة، وهؤلاء خزر، وهؤلاء أرمن، وهؤلاء أكراد، إلى غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله من اختلاف لغات بني آدم". 46- لكل عمود ندى. يضرب للرزق المقدر لكل أحد؛ ["المستقصى" (2/ 292)]. 47- لكل أمر عاقبة حلوة أو مرة؛ ["التذكرة الحمدونية" (1/ 74)].
وبهذا يتحصل أن لفظ ( ما يشاء) عام يشمل كل ما يشاؤه الله تعالى ولكنه مجمل في مشيئة الله بالمحو والإثبات ، وذلك لا تصل الأدلة العقلية إلى بيانه ، ولم يرد في الأخبار المأثورة ما يبينه إلا القليل على تفاوت في صحة أسانيده. ومن الصحيح فيما ورد من ذلك قول النبيء - صلى الله عليه وسلم -: إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها. والذي يلوح في معنى الآية أن ما في أم الكتاب لا يقبل محوا ، فهو ثابت وهو قسيم لما يشاء الله محوه. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الرعد - الآية 38. ويجوز أن يكون ما في أم الكتاب هو عين ما يشاء الله محوه أو إثباته سواء كان تعيينا بالأشخاص أو بالذوات أو بالأنواع ، وسواء كانت الأنواع من الذوات أو من الأفعال ، وأن جملة وعنده أم الكتاب أفادت أن ذلك لا يطلع عليه أحد. [ ص: 167] ويجوز أن يكون قوله وعنده أم الكتاب مرادا به الكتاب الذي كتبت به الآجال وهو قوله لكل أجل كتاب ، وأن المحو في غير الآجال. ويجوز أن يكون أم الكتاب مرادا به علم الله تعالى. أي: يمحو ويثبت وهو عالم بأن الشيء سيمحى أو يثبت.