[ ص: 185] ( واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب) قوله تعالى: ( واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب). اعلم أن هذا هو القصة الثالثة من القصص المذكورة في هذه السورة ، واعلم أن داود وسليمان كانا ممن أفاض الله عليه أصناف الآلاء والنعماء ، وأيوب كان ممن خصه الله تعالى بأنواع البلاء ، والمقصود من جميع هذه القصص الاعتبار.
وقوله: ارْكُضْ بمعنى الدفع والتحريك للشيء. يقال: ركض فلان الدابة برجله إذا دفعها وحركها بها. والمغتسل: اسم للمكان الذي يغتسل فيه، والمراد به هنا: الماء الذي يغتسل به. وقوله: هذا مُغْتَسَلٌ مقول لقول محذوف. تفسير اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب [ ص: 42]. والمعنى: لقد نادانا عبدنا أيوب بعد أن أصابه من الضر ما أصابه، والتمس منا الرحمة والشفاء مما نزل به من مرض، فاستجبنا له دعاءه، وأرشدناه الى الدواء، بأن قلنا له:«اركض برجلك» أى: اضرب بها الأرض، فضربها فنبعت من تحت رجله عين الماء، فقلنا له: هذا الماء النابع من العين إذا اغتسلت به وشربت منه، برئت من الأمراض، ففعل ما أمرناه به، فبرئ بإذننا من كل داء. ﴿ تفسير ابن كثير ﴾ يذكر تعالى عبده ورسوله أيوب - عليه السلام - وما كان ابتلاه تعالى به من الضر في جسده وماله وولده حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليما سوى قلبه ولم يبق له من حال الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه غير أن زوجته حفظت وده لإيمانها بالله ورسوله فكانت تخدم الناس بالأجرة وتطعمه وتخدمه نحوا من ثماني عشرة سنة. وقد كان قبل ذلك في مال جزيل وأولاد وسعة طائلة من الدنيا فسلب جميع ذلك حتى آل به الحال إلى أن ألقي على مزبلة من مزابل البلدة هذه المدة بكمالها ورفضه القريب والبعيد سوى زوجته - رضي الله عنها - فإنها كانت لا تفارقه صباحا و [ لا] مساء إلا بسبب خدمة الناس ثم تعود إليه قريبا.
ومعظم المرضى أصحاب النوم الطويل الذين يلازمون الفرش لوقت طويل يرافقهم إمساك ويناسبهم شرب الماء البارد لمن يستطيع ذلك أو شرب ماء معتدل البرودة، وفي هذه الآية ورد الشرب بعد الركض لأنه يسبب صدمة للعصب الحائر (عصب يبدأ من الفم حتى الدبر) فيتنشط العصب وتتنشط عضلات الأمعاء فيذهب الإمساك لذا من يشرب العسل المذاب في الماء إن كان يعاني إمساكا يشربه باردا وإن كان يعاني من الإسهال يشربه دافئاً.
والمغتسل الماء الذي يغتسل به ، قال القتبي: وقيل: إنه الموضع الذي يغتسل فيه ، قال مقاتل. الجوهري: واغتسلت بالماء ، والغسول: الماء الذي يغتسل به ، وكذلك المغتسل ، قال الله تعالى: هذا مغتسل بارد وشراب والمغتسل أيضا الذي يغتسل فيه ، والمغسل والمغسل بكسر السين وفتحها مغسل الموتى والجمع المغاسل. واختلف كم بقي أيوب في البلاء ، فقال ابن عباس: سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات. وقال وهب بن منبه: أصاب أيوب البلاء سبع سنين ، وترك يوسف ، في السجن سبع سنين ، وعذب بختنصر وحول في السباع سبع سنين. ذكره أبو نعيم. وقيل: عشر سنين. وقيل: ثمان عشرة سنة. رواه أنس مرفوعا فيما ذكر الماوردي: قلت: وذكره ابن المبارك ، أخبرنا يونس بن يزيد ، عن عقيل عن ابن شهاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر يوما أيوب ، وما أصابه من البلاء ، وذكر أن البلاء الذي أصابه كان به ثمان عشرة سنة. اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب - YouTube. وذكر الحديث القشيري. وقيل: أربعين سنة. تفسير الطبري حدثني بشر بن آدم, قال: ثنا أبو قُتيبة, قال: ثنا أبو هلال, قال: سمعت الحسن, في قول الله: ( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) فركض برجله, فنبعت عين فاغتسل منها, ثم مشى نحوا من أربعين ذراعا, ثم ركض برجله, فنبعت عين, فشرب منها, فذلك قوله ( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) وعنى بقوله ( مُغْتَسَلٌ): ما يُغْتَسل به من الماء, يقال منه: هذا مُغْتَسل, وغسول للذي يَغْتسل به من الماء.
والظاهر أن هذه القصة التي كررها القرآن في سوره وآياته، تمثل العنوان العام للفكرة، بحيث تكون التفاصيل متفرعة عنه. أمّا حديث التأثير الشيطاني في الأشياء من خلال آية المائدة، فلا يدل على المقصود، لأن الظاهر إرادة الارتباط بهذه الأشياء في الجانب العملي من خلال وسوسته للإنسان في الأخذ بها بالطريقة المضادّة لمصلحته، وهذا ما نفهمه من آية موسى(ع)،لأنّ قتله للقبطي قد يكون ناشئاً من الوسوسة الخفية التي نجحت في إحداث حالةٍ من الإثارة التي تقود إلى ذلك. ثانياً: إننا نؤكد ما ذكره صاحب تفسير الكشاف، بأنه «لا يجوز أن يسلّط الله الشيطان على أنبيائه ليقضي من تعذيبهم وأتعابهم وطره»، لأنّ تسليطه عليهم لا يمثل أيّة غايةٍ واضحةٍ في واقع الرسالة والرسول، بل يمثل سلبيّةً معنويّةً في خضوع الرسول للتعسف الشيطاني بالطريقة التي لا يستطيع فيها أن يدافع عن نفسه، بينما كان التسليط في دائرة الوسوسة متحركاً في الأجواء التي تتيح للإنسان أن يواجه فيها إبليس، ليصدّه عن التأثير عليه. وإذا كان صاحب الميزان يثير مسألة المصلحة في ذلك، «كظهور صبره في الله سبحانه وأوبته إليه»، فإن ذلك لا يصلح توجيهاً للمسألة، لأن من الممكن أن يتمَّ ذلك بطريقة المؤثرات الطبيعية والأسباب العادية، لأن إبليس إذا وعى ذلك، فإنه لا يقوم به باعتبار أنه يترك تأثيراتٍ إيجابية في ارتباط أيوب بالله.