وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} ففي هذا تهويل لذلك اليوم الشديد الذي يحير الأذهان. يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا} ولو كانت لها قريبة [أو حبيبة] مصافية، فكل مشتغل بنفسه لا يطلب الفكاك لغيرها. { وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} فهو الذي يفصل بين العباد، ويأخذ للمظلوم حقه من ظالمه [والله أعلم].
وقال السّدّيّ: « تبعثر: تحرّك فيخرج من فيها ». {علمت نفسٌ ما قدّمت وأخّرت}. أي: إذا كان هذا، حصل هذا. وقوله: {يا أيّها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم}. هذا تهديدٌ لا كما يتوهّمه بعض النّاس من أنّه إرشادٌ إلى الجواب حيث قال: {الكريم}. حتّى يقول قائلهم: غرّه كرمه، بل المعنى في هذه الآية: ما غرّك يابن آدم بربّك الكريم، أي: العظيم، حتّى أقدمت على معصيته وقابلته بما لا يليق؟! كما جاء في الحديث: « يقول اللّه تعالى يوم القيامة: ابن آدم ما غرّك بي؟ ماذا أجبت المرسلين؟ ». قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا سفيان، سمع عمر رجلاً يقرأ: {يا أيّها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم}. إسلام ويب - تفسير السعدي - تفسير سورة الانفطار. فقال عمر: « الجهل ». وقال أيضاً: حدّثنا عمر بن شبّة، حدّثنا أبو خلفٍ، حدّثنا يحيى البكّاء، سمعت ابن عمر يقول وقرأ هذه الآية: {يا أيّها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم}. قال ابن عمر: « غرّه -واللّه- جهله ». قال: وروي عن ابن عبّاسٍ والرّبيع بن خثيمٍ والحسن مثل ذلك، وقال قتادة: {ما غرّك بربّك الكريم}: « شيءٌ ما غرّ ابن آدم، وهذا العدوّ الشّيطان ». وقال الفضيل بن عياضٍ: « لو قال لي ما غرّك بي؟ لقلت: ستورك المرخاة ».
وعدد آيها تسع عشرة آية. أغراضها: واشتملت هذه السورة على: إثبات البعث، وذكر أهوال تتقدمه. وإيقاظ المشركين للنظر في الأمور التي صرفتهم عن الاعتراف بتوحيد الله تعالى وعن النظر في دلائل وقوع البعث والجزاء. والإعلام بأن الأعمال محصاة. وبيان جزاء الأعمال خيرها وشرها. وإنذار الناس بأن لا يحسبوا شيئاً ينجيهم من جزاء الله إياهم على سيّئ أعمالهم. قال سيد قطب: تعريف بسورة الانفطار: تتحدث هذه السورة القصيرة عن الانقلاب الكوني الذي تتحدث عنه سورة التكوير. ولكنها تتخذ لها شخصية أخرى، وسمتا خاصا بها، وتتجه إلى مجالات خاصة بها تطوف بالقلب البشري فيها؛ وإلى لمسات وإيقاعات من لون جديد. هادئ عميق. لمسات كأنها عتاب. وإن كان في طياته وعيد! ومن ثم فإنها تختصر في مشاهد الانقلاب، فلا تكون هي طابع السورة الغالب- كما هو الشأن في سورة التكوير- لأن جو العتاب أهدأ، وإيقاع العتاب أبطأ.. وكذلك إيقاع السورة الموسيقي. تفسير سوره الانفطار للاطفال. فهو يحمل هذا الطابع. فيتم التناسق في شخصية السورة والتوافق!
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا ٱلۡقُبُورُ بُعۡثِرَتۡ﴾ صدق الله العظيم[الانفطار ٤] بُحثت ورُجت، حينما تحدث زلزلةٌ عظيمة جداً فتُقلب هذه القبور، ويزال التراب الذي على الموتى، وذلك لخروج الموتى من قبورهم للعرض على الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿وأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقالَها﴾ صدق الله العظيم[الزلزلة: ٢]. قال تعالى: ﴿عَلِمَتۡ نَفۡسࣱ مَّا قَدَّمَتۡ وَأَخَّرَتۡ﴾ صدق الله العظيم[الانفطار ٥] علمت نفسٌ أي علمت كل نفس، المحسن، والمسيء ، المُجد، والهازل، المؤمن، والكافر؛ فعلمت كل نفسٍ ما قدمت من الخير وما أخرت من خيرٍ، كقوله تعالى: ﴿عَلِمَتۡ نَفۡسࣱ مَّاۤ أَحۡضَرَتۡ﴾ صدق الله العظيم[التكوير ١٤] وكقوله تعالى: ﴿یَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسࣲ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَیۡرࣲ مُّحۡضَرࣰا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوۤءࣲ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَیۡنَهَا وَبَیۡنَهُۥۤ أَمَدَۢا بَعِیدࣰاۗ وَیُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ﴾ صدق الله العظيم[آل عمران ٣٠]. قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡإِنسَـٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِیمِ﴾ صدق الله العظيم [الانفطار ٦] هذه الآية تبكيت؛ يعني إن ربك كريمٌ، فهل يليق بك أن تستهين بحق الكريم ولا تقوم به؟ أيليق بك وربك الكريم أكرمك، وأنعم عليك، ونعمه عليك تترى، وتقصر في أمره؟ خلقك فسواك، فعدلك، وأحسن إليك ولا زالت نعمه تترى ليل نهار عليك، وعلى أحبابك أيليق بك أن تنتهك ما حرم الله؟ وللآية أوجه في تفسيرها منها: الوجه الأول: قول جماهير أهل العلم التفسير أن هذه الآية مدعاة للعبد أن يستحي من ربه الكريم؛ فيدفعه كرم الله إلى إجلال الله، وإلى توقير الله، وإلى تعظيم ربه، وإلى المسارعة في أمره، وإلى اجتناب نهيه لأنّه كريم.
قوله تعالى: ﴿ٱلَّذِی خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ﴾ صدق الله العظيم[الانفطار ٧] الله تعالى خلق فسوى (فَعَدَلَكَ) أي: فجعلك في أبهى صورة ، وفي أجمل منظر، قال عطاء جعلك قائماً معتدلاً حسن الصورة. قوله تعالى: ﴿فِیۤ أَیِّ صُورَةࣲ مَّا شَاۤءَ رَكَّبَكَ﴾ صدق الله العظيم[الانفطار ٨] عن موسى بن علي بن رباح، حدثني أبي، عن جدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " ما ولد لك؟ " قال: يا رسول الله، ما عسى أن يولد لي؟ إما غلام وإما جارية. قال: "فمن يشبه؟ ". قال: يا رسول الله، من عسى أن يشبه؟ إما أباه وإما أمه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم عندها: "مه. تفسير سوره الانفطار المغامسي. لا تقولن هكذا، إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم؟ أما قرأت هذه الآية في كتاب الله: ﴿في أي صورة ما شاء ركبك﴾ " قال: سلكك. قوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلۡ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّینِ (٩) وَإِنَّ عَلَیۡكُمۡ لَحَـٰفِظِینَ (١٠) كِرَامࣰا كَـٰتِبِینَ (١١) یَعۡلَمُونَ مَا تَفۡعَلُونَ (١٢) إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِی نَعِیمࣲ (١٣)﴾ صدق الله العظيم [الانفطار ٩-١٣] (تكذبون بالدين) أي تكذبون بيوم القيامة- عليكم لحافظين، أي: ملائكة حفظة، وهما ملك الحسنات، وملك السيئات، ( إن الأبرار لفي نعيم) سموا أبراراً؛ لأنّهم بروا ربهم أولاً، ثم بروا آباءهم، وبروا أبناءهم.