سكرتير تحرير بجريدة النجم الوطني
إن بإمكان الواحد منا أن يؤسِّس في الناس الزهد في الدنيا بطريقة عملية يسيرة، وذلك حين لا يماكس بائعًا في متجره؛ عملاً بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [رحم الله عبدًا سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى]، وليس هذا سذاجة كما يظنه العوام؛ وإنما هو خلق نبيل عظيم كبير، يصنع في الناس ما لا تصنعه مئات المواعظ. كان خلقه القرآن تخريج الحديث. إن هذه صورة عملية رائعة في إقناع الناس بأن الدنيا في يد الإنسان وليست في قلبه، ولو بقينا نخطب عشرات السنين لتحقيق هذا المعنى في نفوس الناس، قد لا نصل إلى كبير فائدة. ويمكن للإنسان أن يكون داعية مؤثِّرًا في أوساط الجاليات الذين لا يعرفون منا في غالب الأحيان إلا الزجرَ والتعنيف، ولو كنا ندرك مكامنَ التأثير في دعوتهم، لكان يكفي الواحدَ منا تركُ ريال أو ريالين لكل عامل يُعبِّئ سيارته بالبنزين - كمثالٍ - أو يشتري منه بعض حاجته، وهي مع كونها دعوةً واضحة ومؤثِّرة، هي كذلك تطبيق لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يصبح على كل سُلاَمى من الناس صدقة]. ويمكن أن نؤسس في الناس ثقافة الكفاءة التي يدْعو إليها العملُ، من خلال الجدية التي يتمثلها بين زملائه في رسالته، في حرصه على الدوام، وانضباطه في أداء واجباته، وتميُّزه في إثراء واقعه بكل مفيد، وهو بذلك يقدم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: [إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه] بطريقة عملية، تكفي عن صفحات من الكتب.
إن إقناع أهل بيتك بالدعوة لا يحتاج فصاحة لسان، أو قوة بيان، بقدر ما يحتاج إلى قدوة عملية تعرض في أرجاء البيت السيرةَ العملية المضيئة لآثار هذا الدِّين، وتكتب في فنائه الفسيح أروعَ آثار الحب. إن الإسلام انتشر في الأرض في فترة من الزمان عن طريق الشخصية الإسلامية المتينة فعلاً وقدوة وعملاً، وقد صنعتْ هذه الشخصيةُ بمجرد النظر إليها ضروبًا من التأثير في حياة غير المسلمين تلك الفترة، واليوم مع كل ما تملك الأمةُ من تأثيرٍ لا تزال الدعوة محصورةً في فئات الداعين لم تتجاوزهم إلى غيرهم؛ لأنهم لم يكونوا تلك الصورة التي تمثِّل الإسلام الذي نزل من السماء أول وهلة. إنني أودُّ أن أقول في الختام لكل من يقرأ رسالتي هذه اللحظة: إن الدِّين جاء ليكون واقعًا على الأرض، حيًّا في نفوس الناس، ماثلاً في حياتهم، ولم يُرِدِ الله - تعالى - له أن يكون معزولاً في وجدان إنسان؛ لأنه بذلك ينعزل من حياة الناس كلهم، ولا يكون له كبيرُ تأثيرٍ. كان خلقه القرآن الكريم. وإذا أردنا أن يكون الدين فاشيًا في نفوس الناس، فليكن روحًا تسري في قلوب أصحابه، ثم لينزل إلى الواقع يَكتب نوره وضياءه على الأرض كلها لا يقف منها في زاوية، وحينئذٍ سيصافح قلوبهم مباشرة، ثم يعرج بها إلى السماء تشرب من المَعين الصافي عن قرب