مختارات مختارة 'ألـم ذلك الكتاب لا ريب فيه' - فواتح سورة البقرة ليلة ١ رمضان ١٤٤٢ه - ناصر القطامي - YouTube
وقيل: إن { ذَلِكَ الْكِتَابُ} إشارة إلى التوراة والإنجيل كليهما، والمعنى: الم ذانك الكتابان أو مثل ذينك الكتابين، أي هذا القرآن جامع لما في ذينك الكتابين، فعبر بـ { بذلك} عن الاثنين بشاهد من القرآن، قال الله تبارك وتعالى { بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [سورة البقرة: 68]. أي عوان بين تينك: الفارض والبكر، وسيأتي. وقيل: إن { ذَلِكَ} إشارة إلى اللوح المحفوظ. وقال الكسائي { ذَلِكَ} إشارة إلى القرآن الذي في السماء لم ينزل بعد. وقيل: إن الله تعالى قد كان وعد أهل الكتاب أن ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم كتابا، فالإشارة إلى ذلك الوعد. قال المبرد: المعنى هذا القرآن ذلك الكتاب الذي كنتم تستفتحون به على الذين كفروا. قوله تعالى { لَا رَيْبَ} نفي عام، ولذلك نصب الريب به. وفي الريب ثلاثة معان: أحدها: الشك، وثانيها: التهمة، وثالثها: الحاجة، والمعنى: أنه في ذاته حق وأنه منزل من عند الله، وصفة من صفاته، غير مخلوق ولا محدث، وإن وقع ريب للكفار. وقيل: هو خبر ومعناه النهي، أي لا ترتابوا، وتم الكلام كأنه قال ذلك الكتاب حقا، قوله تعالى { لِلْمُتَّقِينَ} خص الله تعالى المتقين بهدايته وإن كان هدى للخلق أجمعين تشريفا لهم، لأنهم آمنوا وصدقوا بما فيه.
وقال أبو سليمان الداراني: المتقون الذين نزع الله عن قلوبهم حب الشهوات. وقيل: المتقي الذي اتقى الشرك وبرئ من النفاق. قال ابن عطية: وهذا فاسد; لأنه قد يكون كذلك وهو فاسق. وسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبيا عن التقوى; فقال: هل أخذت طريقا ذا شوك ؟ قال: نعم: قال فما عملت فيه ؟ قال: تشمرت وحذرت; قال: فذاك التقوى.
[وقال بعضهم: هذا خبر ومعناه النهي، أي: لا ترتابوا فيه]. اهـ [3] • ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ قال الشنقيطي - رحمه الله - "صرح في هذه الآية بأن هذا القرآن ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾، ويفهم من مفهوم الآية - أعني مفهوم المخالفة المعروف بدليل الخطاب - أن غير المتقين ليس هذا القرآن هدى لهم، وصرح بهذا المفهوم في آيات أخر كقوله: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ (44) - فصلت وقوله: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82]. ثم قال: ومعلوم أن المراد بالهدى في هذه الآية الهدى الخاص؛ الذي هو التفضل بالتوفيق إلى دين الحق، لا الهدى العام؛ الذي هو إيضاح الحق. اهـ [4]. [1] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (1 /32). [2] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1/ 40).
وقيل: المعنى ولكن تصديق النبي بين يدي القرآن وهو محمد صلى الله عليه وسلم; لأنهم شاهدوه قبل أن سمعوا منه القرآن. وتفصيل بالنصب والرفع على الوجهين المذكورين في تصديق. والتفصيل التبيين ، أي يبين ما في كتب الله المتقدمة. والكتاب اسم الجنس. وقيل: أراد بتفصيل الكتاب ما بين في القرآن من الأحكام. لا ريب فيه من رب العالمين الهاء عائدة للقرآن ، أي لا شك فيه أي في نزوله من قبل الله تعالى.
وروي عن أبي روق أنه قال: هدى للمتقين أي: كرامة لهم; يعني إنما أضاف إليهم إجلالا لهم وكرامة لهم وبيانا لفضلهم. وأصل ( للمتقين): للموتقيين بياءين مخففتين ، حذفت الكسرة من الياء الأولى لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين وأبدلت الواو تاء على أصلهم في اجتماع الواو والتاء وأدغمت التاء في التاء فصار للمتقين. الخامسة: التقوى يقال أصلها في اللغة قلة الكلام; حكاه ابن فارس. قلت: ومنه الحديث التقي ملجم ، والمتقي فوق المؤمن والطائع وهو الذي يتقي بصالح عمله وخالص دعائه عذاب الله تعالى ، مأخوذ من اتقاء المكروه بما تجعله حاجزا بينك وبينه; كما قال النابغة: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد وقال آخر: فألقت قناعا دونه الشمس واتقت بأحسن موصولين كف ومعصم وخرج أبو محمد عبد الغني الحافظ من حديث سعيد بن زربي أبي عبيدة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال: قال يوما لابن أخيه: يابن أخي ترى الناس ما أكثرهم ؟ قال: نعم; قال: لا خير فيهم إلا تائب أو تقي ثم قال: يابن أخي ترى الناس ما أكثرهم ؟ قلت: بلى; قال: لا خير فيهم إلا عالم أو متعلم. وقال أبو يزيد البسطامي: المتقي من إذا قال قال لله ، ومن إذا عمل عمل لله.
؟ ثلاث في ضمانِ الله: رجلٌ خرج إلى مسجد من مساجد الله، ورجل خرج غازيًا في سبيل الله، ورجل خرج حاجًّا.
وقد جعل الله للصادقين في شوقهم وحبهم للوفادة على بيت الله وتلبية ندائه من الأعمال ما يكون لهم سلوى وعوضًا، ومن ذلك: أن يصلي الإنسان الصبح في جماعة ويجلس في مصلاه يذكر الله -تعالى- حتى تطلع الشمس، ثم يصلي ركعتين، فيكون له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة. وكذلك: التبكير لصلاة الجمعة، فإن مَن يحضر إلى صلاة الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قَرَّب بدنة، والبدنة: هي الناقة التي تهدى إلى بيت الله الحرام في الحج والعمرة؛ لهذا المعنى ذهب بعض السلف إلى أن شهود الجمعة يعدل في الأجر حج النافلة؛ قال سعيد بن المسيب -رحمه الله-: "هو أحب إليَّ مِن حجة النافلة". وكذلك: التطهر في البيت قبل الخروج إلى المسجد لأداء الصلاة في جماعة، فإنه ينال بذلك مثل أجر الحاج. وغير ذلك من الأعمال التي ورد أنها تعدل الحج أو العمرة، وإن مِن فضل الله أن يجمع المرء بين هذه الفضائل والحج والعمرة؛ فذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء، ويجوز للعبد أن يغبط مثل هؤلاء فيما يتيسر لهم مِن نفقات الحج والعمرة والصدقات. كلمات شوق لبيت الله الحرام تضاعف الاستعدادات لاستقبال. والخلاصة: لا ينبغي لمحبٍّ ومشتاقٍ أن تمر عليه هذه الأيام دون أن يجدد الشوق في قلبه، ويبعثه ويهيجه لحج بيت الله الحرام. رزقنا الله وإياكم حجًّا مبرورًا؛ إنه كريم وَهَّاب جواد.
"صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه، ومع هذه المشاعر الغامرة، والخواطر الساهرة، والأحاسيس العابرة يتصاعد الدعاء ويزداد التضرع ويتألق الشوق إلى الله سبحانه وإلى بيته المحرم، حياة جديدة بلا معاصٍ ولا ذنوب، نعم.. كيف لا يشتاق الحاج والحج يمحو الخطايا والذنوب فيرجع نظيفاً كيوم ولادته "من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" رواه البخاري. كيف لا والحج يهدم ما قبله...!! ؟ وها هو عمرو بن العاص يحكي لنا قصة إسلامه فيقول: لمَّا جَعَلَ الله الإسلام في قلبي، أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: ابسط يدك، فلأبايعك. قال: فبسط، فقبضتُ يدي. فقال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أشترط. كم أنا مشتاق لبيت الله الحرام - هوامير البورصة السعودية. قال: تشترط ماذا؟ قلت: أن يغفر الله لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما قبله؟ كيف لا والحج ليس له جزاء إلا الجنة..!! ؟ "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" البخاري ومسلم. كيف لا والحج من منزلة الجهاد في سبيل الله..!! ؟ الغازي في سبيل الله والحاجُّ والمعتمر وفدُ الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم… كيف لا يشتاق الحاج والحج ضمان له عند الله..!!
ولنردد من قول: ( أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه).! أسأل الخالق البارىء أن يرزقكِ حجة هذا العام فإن لم يكن لكِ نصيب فلا تجعلي هذه الأيام تذهب بدون أي فائدة بل أحييها بالصيام والقيام.. وأكثري من ذكره عزوجل..! وأسأليه بإن يرزقك حجة العام المقبل..!