قاسم المندلاوي
وفرنسا: ماذا فعلت في الجزائر؟ وإيطاليا: ماذا فعلت بليبيا وعمرَ المختار؟ وبريطانيا كيف امتصّت دماءَ الشعوب التي حكمتها؟ وروسيا كم وكم ظلمتْ؟ وأمريكا التي تفاخر بصَنَم الحريّة هي أمُّ العدل والرحمة والحرية، وعدم الكيل بألفِ ميزانٍ مختلفٍ في القضايا المتشابهة، لا تستعملُ حقَّ النقض (الفيتو)، أبداً من أجل أن ينال شعب فلسطين حقّه من اليهود الظالمين... ولو ذهبتُ أحصي وأعدّد صُوَر الظلم لعجزتُ، وعجزتْ معي فئة من المُحْصِين العالمين الأكفياء! كنتُ بالأمس أقرأ قوله تعالى في سورة إبراهيم عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام: { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ. وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ. مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم:42-43]. فهالتني الآية وأرعبتني، وقلت في نفسي: سبحان الله ألا يوجد عند هؤلاء الظالمين ذرة من علمٍ أو عقل أو حكمة ليعرفوا ماذا ينتظرهم؟. يخاطب الله نبيَّه محمداً عليه الصلاة والسّلام، ويُعْلمُهُ أنّ هؤلاء الظالمين لهم عقابٌ يومَ القيامة ، { تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}، أي: لا تقرُّ في أماكنها من هَوْل ما ترى، وأجفانُهم ثابتة لا تطرُف.
{ مُهْطِعِينَ}: مُسْرِعينَ إلى الداعي، أو مُسْرعين مدفوعين إلى النار. { مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ}: رافعي رؤوسهم، مُلْتصقة بأعناقهم، وقيل: ناكسي رؤوسهم. { لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ}: لا ترجع إليهم أبصارهم من شدّة النظر، فلا ينظرون إلى أنفسهم، لكثرة ما هم فيه من الهول، والمخافة لمِا يحلُّ بهم. لا تحسبن الله غافلا عما. { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}: قلوبُهم خاوية خالية ليس فيها شيء لكثرة الوجل. أو إنّ أمكنة أفئدتهم خاليةٌ لأنّ القلوب لدى الحناجر، قد خرجت من أماكنها من شدة الخوف. وقيل: قلوبهم قد تمزّقت من الخوف لا تعي شيئاً. قال سيد قطب رحمه الله في (الظلال): "والرسول صلى الله عليه وسلم لا يحسب الله غافلاً عما يعمل الظالمون، ولكنّ ظاهر الأمر يبدو هكذا لبعض من يرون الظالمين يتمتّعون، ويسمع بوعيد الله، ثم لا يراه واقعاً بهم في هذه الحياة الدنيا، فهذه الصيغة تكشف عن الأجل المضروب لأخذهم الأخذة الأخيرة التي لا إمهال بعدها، ولا فكاك منها. أخذهم في اليوم العصيب الذي تشخص فيه الأبصار من الفزع والهلع، فتظلُّ مفتوحةً، مبهوتة، مذهولة، مأخوذة بالهول لا تطرف ولا تتحرك. ثم يرسم مشهداً للقوم في زحمة الهول: مشهدهم مسرعين لا يلوون على شيء، ولا يلتفتون إلى شي.
وكان ابن عباس - ا- يقول: القطران هنا النحاس المذاب، وربما قرأها سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطرٍ آنٍ أي: من نحاس حار قد انتهى حره، وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة. قوله -تبارك وتعالى: وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ [سورة إبراهيم:49] يحتمل أن يكون المعنى أن المجرم يقرن بغيره من المجرمين، وهذا هو قول العلامة ابن كثير -رحمه الله، ويحتمل أن يكون المعنى أن المجرم قرن وربطت يداه إلى رجليه. وقوله: سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ [سورة إبراهيم:50] أي: ثيابهم التي يلبسونها من قطران، وهو الذي تُهنأ به الإبل، أي: تطلى، قال قتادة: وهو ألصق شيء بالنار. مستشهدا بآية قرآنية : راشد الغنوشي قيس سعيد دق اخر مسمار في نعش الديمقراطية و حكمه باطلا... يحتمل أن تكون كلمة "قطران" كلمة واحدة، وهو القطران المعروف الذي تطلى به الإبل، ويحتمل أن تكون كلمتين "قطر" و"آن" أي: حار، والمقصود به النحاس المذاب الحار، وهذا مثال على أحد الأسباب التي جعلت العلماء -رحمهم الله- يختلفون في عد كلمات القرآن. وقوله: وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ كقوله: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ، وقال الإمام أحمد -رحمه الله: حدثنا يحيى بن إسحاق قال: أنبأنا أبان بن يزيد، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد، عن أبي سلام، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله ﷺ: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت، والنائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جَرَب [5] ، انفرد بإخراجه مسلم.