هو أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني،ولد في ذي الحجة عام 362/ 973م بضاحية من ضواحي خوارزم، ويذكر بعض المؤرخين أنه منسوب إلى بيرون وهي من مدن السند (في باكستان اليوم)، ولكن الأرجح أنه من خوارزم ولكن لكثرة مقامه خارجها أطلق عليه "البيروني"، وهي تعني "الغريب" أو الآتي من خارج البلدة، وقد التبس اسمه مع الخوارزمي الرياضي الشهير عند بعض المحدثين. اهم اكتشافات البيروني | المرسال. وقد اختلفت المصادر في أصله: هل هو فارسي أم تركي؟ وهذا الأمر لن يزيد أو ينقص منه شيئًا. لا يؤرخ مؤرخ لأبي الريحان إلا ويقر له بالعظمة في العلم، بل ويصل بعض مؤرخي العلوم من الغربيين إلى أنه من أعظم العلماء في كل العصور والأزمان، مثل "جورج سارتن" – المؤرخ العلمي الشهير، صاحب كتاب تاريخ العلم -. ولم يكن البيروني يطلب المال بعلمه، فقد أرسل له أحد ملوك الهند "محمود الغزنوي" حِمل فيل من الفضة، فاعتذر عن قبوله لعدم حاجته إليه، ولم يكن ساعيًا لمنصب، فقد حدَّد أحد الملوك إقامته في بيته؛ لأنه أصر على رأيه المعارض للملك، ولم يكن راهب علم وحسب، بل كان رجل سياسة وفكر، تولى العديد من المناصب الهامة في الدولة، ولا نبالغ إذا قلنا: إنه لولا عمله في السياسة لتضاعفت مؤلفاته، وكان أصحاب العقول من الملوك يقولون له: "العلم من أشرف الولايات يأتيه كل الورى ولا ياتي والله لولا الطقوس الدنيوية لما استدعيتك، فالعلم يعلو "ولا يُعلى".
ومن أبرز ما قام به البيروني أنه توصل إلى تحديد الثقل النوعي لـ 18 عنصرًا مركبًا بعضها من الأحجار الكريمة مستخدمًا الجهاز المخروطي، وقد استخرج قيم الثقل النوعي لهذه العناصر منسوبة إلى الذهب مرة وإلى الماء مرة أخرى، وله جداول حدَّد فيها قيم الثقل النوعي لبعض الأحجار الكريمة منسوبة إلى الياقوت على أساس الوزن النوعي للياقوت = 100 ثم إلى الماء. وفي ظاهرة الجاذبية كان البيروني، مع ابن الحائك، من الرواد الذين قالوا بأن للأرض خاصية جذب الأجسام نحو مركزها، وقد تناول ذلك في آراء بثَّها في كتب مختلفة، ولكنَّ أشهر آرائه في ذلك ضمَّنها كتابه القانون المسعودي. ومن المسائل الفيزيائية التي تناولها البيروني في كتاباته كذلك ظاهرة تأثير الحرارة في المعادن، وضغط السوائل وتوازنها، وتفسير بعض الظواهر المتعلقة بسريان الموائع، وظاهرة المد والجزر وسريان الضوء، فقد لاحظ أن المعادن تتمدَّد عند تسخينها، وتنكمش إذا تعرضت للبرودة. أبو الريحان البيروني فيزيائي وعالم موسوعي بقلم د. راغب السرجاني| قصة الإسلام. وأولى ملاحظاته في هذا الشأن كانت في تأثير تباين درجة الحرارة في دقة أجهزة الرصد، حيث تطرأ عليها تغيرات في الطول والقصر في قيظ النهار وصقيع آخر الليل، وتعرض في كتابه الآثار الباقية عن القرون الخالية لميكانيكا الموائع؛ فشرح الظواهر التي تقوم على ضغط السوائل واتزانها وتوازنها، وأوضح صعود مياه النافورات والعيون إلى أعلى مستندًا إلى خاصية سلوك السوائل في الأواني المستطرقة.
وقد تنوعت مؤلفاته في مختلف العلوم فألف في الفلك والهندسة والجغرافيا والرياضيات والتاريخ والصيدلة والجيولوجيا والفلسفة وعلم الحياة والادب وغيرها من العلوم ولن ننسى ان نذكر ايضاً سعة اطلاعه على كتب الاديان وتواريخها، ومن أشهر كتبه في مجالات العلم كافة كتاب (الآثار الباقية عن القرون الخالية) وهو أول كتاب وضعه وهو يبحث عن التقاويم والشهور عند مختلف الامم القديمة وفيه جداول لملوك اشور والكلدان وبابل والقبط والروم واليونان كما ضم الكتاب ايضاً بحوثاً رياضية وطبيعية وفلكية عديدة وقد ترجم الكتاب الى الانجليزية.
كما شرح تجمع مياه الآبار بالرشح من الجوانب حيث يكون مصدرها من المياه القريبة منها، وتكون سطوح ما يجتمع منها موازية لتلك المياه، وبيَّن كيف تفور العيون وكيف يمكن أن تصعد مياهها إلى القلاع ورؤوس المنارات. وتحدث عن ظاهرة المد والجزر في البحار والأنهار وعزاهما إلى التغير الدوري لوجه القمر. أما فيما يختص بسريان الضوء فقد فطن إلى أن سرعة الضوء تفوق سرعة الصوت، واتفق مع ابن الهيثم وابن سينا في قولهما بأن الرؤية تحدث بخروج الشعاع الضوئي من الجسم المرئي إلى العين وليس العكس، كما يقرر أن القمر جسم معتم لا يضيء بذاته وإنما يضيء بانعكاس أشعة الشمس عليه، وكان البيروني يشرح كل ذلك بوضوح تام، ودقة متناهية في تعبيرات سهلة لا تعقيد فيها ولا التواء. العلم على فراش الموت! وبعد إنجازات مبهرة وحياة علمية حافلة بالعطاء، وفي رجب سنة 440هـ / 1048م توفي البيروني رحمه الله، وفي خبر وفاته يحكي أبو الحسن علي بن عيسى فيقول: دخلت على أبي الريحان وهو يجود بنفسه، فقال لي: كيف قلتَ لي يومًا في حساب الجدّات الفاسدة؟ فقلت له إشفاقًا عليه: أفي هذه الحالة؟ قال: يا هذا، أُودِّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، أَلاَ يكون خيرًا من أن أخلِّيها وأنا جاهل بها؟ فأعدتُ ذلك عليه وحفظ، وعلّمني ما وعد، وخرجت من عنده، وأنا في الطريق فسمعت الصراخ عليه!!