للبحث في شبكة لكِ النسائية: (روضة السعداء - منتديات لكِ النسائية - الأرشيف)... 26-07-2009, 03:43 PM #1 قال تعالى:[أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا] هذا هو مفتاح الشر كله.. أن يزين الشيطان للإنسان سوء عمله فيراه حسنا، أن يعجب بنفسه وبكل ما يصدر عنها، ألا يفتش في عمله ليرى مواضع الخطأ والنقص فيه، لأنه واثق من أنه لا يخطئ! متأكد أنه دائماً على صواب! مفتون بكل ما يتعلق بذاته ، لا يخطر على باله أن يراجع نفسه في شيء ،ولا يحاسبها على أمر، وبطبيعة الحال لا يطيق أن يراجعه أحد في عمل يعمله أو في رأي يراه، لأنه حسن في عين نفسه ،مزين لنفسه وحسه ، لا مجال فيه لنقد ولا موضع فيه للنقصان!! هذا هو البلاء الذي يصبه الشيطان على إنسان، وهذا هو المقود الذي يقوده منه إلى الضلال. فإلى البوار!! إن الذي يكتب الله له الهدى والخير يضع في قلبه الحساسية والحذر والتلفت والحساب.. فلا يأمن مكر الله تعالى ،ولا يأمن تقلب القلب ، ولا يأمن الخطأ والزلل، ولا يأمن النقص والعجز، فهو دائم التفتيش في عمله.. دائم الحساب لنفسه.. دائم الحذر من الشيطان.. دائم التطلع لعون الله تعالى.. وهذا هو مفرق الطريق بين الهدى والضلال، وبين الفلاح والبوار.
فقال: هو من ذاك بعينه ، كأنه من شدة النصح لهم قاتل نفسه. وقال الحسين بن الفضل: فيه تقديم وتأخير; مجازه: أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء. وقيل: الجواب محذوف; المعنى أفمن زين له سوء عمله كمن هدي ، ويكون يدل على هذا المحذوف ( فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء). وقرأ يزيد بن القعقاع: ( فلا تذهب نفسك) ، وفي أفمن زين له سوء عمله أربعة أقوال ، أحدها: أنهم اليهود والنصارى والمجوس; قاله أبو قلابة. ويكون ( سوء عمله) معاندة الرسول عليه الصلاة والسلام. الثاني: أنهم الخوارج; رواه عمر بن القاسم. فيكون ( سوء عمله) تحريف التأويل. الثالث: الشيطان; قاله الحسن. ويكون ( سوء عمله الإغواء). الرابع: كفار قريش; قاله الكلبي. ويكون ( سوء عمله الشرك). وقال: إنها نزلت في العاص بن وائل السهمي والأسود بن المطلب. وقال غيره: نزلت في أبي جهل بن هشام. فرآه حسنا أي صوابا; قاله الكلبي. وقال: جميلا. قلت: والقول بأن المراد كفار قريش أظهر الأقوال; لقوله تعالى: ليس عليك هداهم ، وقوله: ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ، وقوله: فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ، وقوله: لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ، وقوله في هذه الآية: فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون وهذا ظاهر بين ، أي لا ينفع تأسفك على مقامهم على كفرهم ، فإن الله أضلهم.
وجملة إن الله عليم بما يصنعون تصلح لإفادة التصبر والتحلم ، أي أن الله [ ص: 267] عليم بصنعهم في المخالفة عن أمره فكما أنه لحلمه لم يعجل بمؤاخذتهم فكن أنت مؤتسيا بالله ومتخلقا بما تستطيعه من صفاته ، وفي ضمن هذا كناية عن عدم إفلاتهم من العذاب على سوء عملهم ، وليس في هذه الجملة معنى التعليل لجملة فلا تذهب نفسك عليهم حسرات لأن كمد نفس الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن لأجل تأخير عقابهم ولكن لأجل عدم اهتدائهم. وتأكيد الخبر بـ " إن " إما تمثيل لحال الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحال من أغفله التحسر عليهم عن التأمل في إمهال الله إياهم فأكد له الخبر بـ إن الله عليم بما يصنعون ، وإما لجعل التأكيد لمجرد الاهتمام بالخبر لتكون " إن " مغنية غناء فاء التفريع فتتمخض الجملة لتقرير التسلية والتعريض بالجزاء عن ذلك. وعبر بـ " يصنعون " دون: يعملون ، للإشارة إلى أنهم يدبرون مكائد للنبيء - صلى الله عليه وسلم - وللمسلمين فيكون هذا الكلام إيذانا بوجود باعث آخر على النزع عن الحسرة عليهم. وعن ابن عباس: أن المراد به أبو جهل وحزبه.
فعلا وهذا ما يزيد الأمر سوءا فإذا حاول أحد أن ينصح شخصا من هذه الفئة فإنه يستنكر ويغضب وكأنه معصوم عن الخطأ والزلل!
فلماذا يُحاسب الإنسان؟ ولا بُدَّ لتوضيح هذه المسألة أن نُبين معنى يهدي ويُضل. يهدي يعنى: يدلُّه على طريق الخير ويرشده إليه، وهذا الإرشاد من الله لكل الناس، فمَنْ سمع هذا الإرشاد وسار على هُدَاه وصل إلى طريق الخير، فكان له من الله العون وزيادة الهدى، كما قال سبحانه: { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17]. أما الذي أغلق سمعه فلم يسمع ولم يَهْتَدِ فَضَلَّ الطريق وانحرف عن الجادة، فأعانه الله أيضاً على غايته، وزاده ضلالاً، وختم على قلبه ليكون له ما يريد، فلا يدخل قلبه إيمانٌ، ولا يخرج منه كفر، وهؤلاء قال الله فيهم: { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 10]. لذلك يقول تعالى عن قوم ثمود: { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ} [فصلت: 17]. فمعنى { هَدَيْنَاهُمْ} يعني: دللناهم وأرشدناهم لطريق الخير، ولكنهم رفضوا هذه الدلالة وعارضوا الله فضَلُّوا فأضلهم الله. يعني: زادهم ضلالاً. هكذا يعامل الحق المهتدين وسبق أنْ أوضحنا هذه القضية وقلنا: هَبْ أنك تريد أنْ تذهب إلى مكان ما، ووقفتَ عند مفترق الطرق لا تدري أيهما يُوصِّلك إلى غايتك، فذهبتَ إلى رجل المرور تسأله أين الطريق، فدلَّك عليه فشكرته وعرفتَ له جميله، فلما رآك مُطيعاً له، شاكراً لفضله قال الله: لكن أمامك في هذا الطريق عقبة سأسير معك حتى تتجاوزها، هكذا يعامل الحق سبحانه المهتدين: { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17].