أبو تمام وعروبة اليوم - YouTube
أبو تمام وعروبة اليوم 1 ما أَصدَقَ السَّيفَ! إِن لَم يُنضِهِ الكَذِبُ وَأَكذَبَ السَّيفَ إِن لَم يَصدُقِ الغَضَبُ بِيضُ الصَّفَائِحِ أَهدَى حِينَ تَحمِلُهَا أَيدٍ إِذَا غَلَبَت يَعلُو بِهَا الغَلَبُ وَأَقبَحَ النَّصرِ.. نَصرُ الأَقوِيَاءِ بِلاَ فَهمٍ.
يعتبر الشاعر عبدالله البردوني ، رحمه الله، من الشعراء القليلين ، الذين ظلوا محافظين على شكل القصيدة القديم ، وفي الوقت نفسه جددوا في موضوعاتها ، وفي معمارها ( والمصطلح الأخير للشاعر والناقد عز الدين إسماعيل) ويقصد به بناء القصيدة ، حيث أقاموا علاقات لغوية جديدة على مستوى الدلالة والشكل التعبيري والصياغة الشعرية ، كل هذا مع محافظتهم الصارمة على النظام البيتي والإيقاع التقليدي. والبردوني الذي كان يتابع كل جديد في حركة الشعر العربي المضطربة ، ويقرأ الأدب العالمي المترجم ، أفاد من قراءاته في شعره ، فنجده ،جدد في اللغة وفي الصورة وفي المجاز ، ووظف تقنيات السرد في قصائده التي صاغها قصصاً شعرياً ، وكذلك الحوار والدراما ، خاصة في ديوانيه:مدينة الغدو وجوه دخانية في مرايا الليل. فالبردوني ، بهذا يعتبر شاعر اًحداثيأً ، بالمعنى الحقيقي التأسيسي للمصطلح ، وبالتصور العربي للحداثة التي أسس لها بشار بن برد وأبو تمام وأبو نواس ، ونظَّر لها عبد القاهر الجرجاني والجاحظ، ويقدم درساً جاداً واعياً لأولئك السطحيين ، مشتتي الدلالات ،ومعدومي الرؤى الذين يختزلون الحداثة في الشكل ،وهم في الحقيقة ، لا شكل لديهم ولا مضمون.
تأثر كثيرٌ من شعراء الحداثة ببائية أبو تمام في وصف ملحمة عمورية. و بألنظر للفترة التي إلقي فيها الشاعر عبد الله البردوني قصيدتهُ عقب نكسة 1967 يُمكن القول أن القصيدة تُمثل أشواق الشاعر لأيام العز التي خلدها أبو تمام برائعته. و يظهر تأثُر الشاعر السوداني محمدعمر البناء بأسلوب أبي تمام في قصيدته " الحربُ صبرٌ " التي ألقاها بعد إنتصارات " محمد أحمد المهدي " في كردفان و يحث الخليفة فيها علي غزو الخرطوم و إستردادها من المُستعمر. و إن جاءت قصيدته دون تلك من حيث جودة الصياغة و جمال الصورة فإنها تشبهها في صدق الشعور و الحماسة.
مضت القصيدة بقوة في جميع أبياتها ، دون أن يعتريها الضعف ، فأي جزء من أجزائها.. فكثيرا ما نلاحظ شعراء كبارا يبدؤون قصائدهم بإيقاع قوي ثم تهوي قصائدهم عند منتصفها أو آخرها. لا يستطيعون الحفاظ على قوة القصيدة. استطاع البردوني – بقدرته وذكائه وامتياحه من التراث والأسطورة وتوظيفه ذلك من ذخيرته اللغوية الوفيرة وبانتقائه الجيد الموفق لكل كلمة لتؤدي معناها – استطاع أن يحافظ على إيقاع القصيدة والنأي بها عن الضعف والتفاوت. تزخر القصيدة بالصور البلاغية والأسلوبية والشعرية في كل أجزائها مثل (كيف احتفت بالعدى حيفا أو النقب) (تحدت نارها الخطب) (العدم المنفوخ) (يفرشون لجيش الغزو أعينهم).. وغيرها كثير ثم الصياغة الناجحة للأفعال التي على وزن افتعل وتفتعل اغتصبوا ، تعتجب ، تلتهب... وغيرها. وهناك ما يسمى بالصورة الممتدة التي لا تقنع بأن يستوعبها بيت واحد وإنما تمتد لتشتمل أبياتا كثيرة كما ذكر الدكتور: الطاهر أحمد مكي أستاذ الأدب بكلية دار العلوم –جامعة القاهرة- ويمثلها في القصيدة تلك القطعة عن اليمن فقد اشتملت الصور الممتدة ستة أبيات. طارق يسن الطاهر. الكلمات الدلالية: لا شيء التصنيفات غير مصنف
كان الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني شاعرا ملحميا مثله مثل الشاعر اليوناني الملحمي - هوميروس - الذي أبدع ملحمة «الإلياذه» الخالدة، وأقصد هنا بقولي - شاعرا ملحميا - هو أن البردوني الشاعر كان يحب اللحمة حبا جما، حتى أن من يراه وهو يأكل اللحم يعتقد بأن اللحمة هي مصدر الإلهام لديه وهي التي تلهب مخيلته كشاعر.. ذلك لأن البردوني - الذي عاش طفولته بائسا محروما يتضور جوعا وسط شعب جائع - كان يهجم على اللحمة كما الأسد لحظة يهجم على فريسته. لكأنه ينتقم لماضيه ولكل اليمنيين الذين ذاقوا مرارة الحرمان في عهد الإمامة.. ومع أني أحببت البردوني الشاعر من شعره إلا أنني أحببت البردوني الأكول من طريقة أكله. فبعد أن رأيته ينشب أسنانه ومخالبه في اللحم المكوّم أمامه ازداد حبي له وازددت إعجابا بالبردوني الشاعر والإنسان. أذكر مرة ونحن في قطر عربي - للمشاركة في الأسبوع الثقافي اليمني - أنني رأيته وهو على طاولة الطعام وأمامه هرم صغير من اللحم فجلست بقربه وسألته قائلا: أستاذ عبدالله.. ما هو أحب الطعام إليك؟ فقال: اللحم. قلت: ثم ماذا؟. قال: ثم اللحم. قلت: وماذا تحب غير اللحم؟. فقال: اللحم. وانفجر ضاحكا حتى كاد يشرق ويختنق باللحمة.