وقوله تعالى: { فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} أي لا تحسب أنهم ناجون من العذاب، بل لا بد لهم منه، ولهذا قال تعالى: { ولهم عذاب أليم} ، ثم قال تعالى: { وللّه ملك السموات والأرض، واللّه على كل شي قدير} أي هو مالك كل شيء، والقادر على كل شيء، فلا يعجزه شيء، فهابوه ولا تخالفوه، واحذروا غضبه ونقمته، فإنه العظيم الذي لا أعظم منه، القدير الذي لا أقدر منه. تفسير الجلالين { ولله ملك السماوات والأرض} خزائن المطر والرزق والنبات وغيرها { والله على كل شيء قدير} ومنه تعذيب الكافرين وإنجاء المؤمنين. تفسير الطبري الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: { وَلِلَّهِ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير} وَهَذَا تَكْذِيب مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِينَ قَالُوا: { إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء} يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُكَذِّبًا لَهُمْ: لِلَّهِ مُلْك جَمِيع مَا حَوَتْهُ السَّمَوَات وَالْأَرْض, فَكَيْفَ يَكُون أَيّهَا الْمُفْتَرُونَ عَلَى اللَّه مَنْ كَانَ مُلْك ذَلِكَ لَهُ فَقِيرًا! (214) قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...} الآية 189 - الموقع الرسمي للشيخ أ. د. خالد السبت. ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ الْقَادِر عَلَى تَعْجِيل الْعُقُوبَة لِقَائِلِي ذَلِكَ وَلِكُلِّ مُكَذِّب بِهِ وَمُفْتَرٍ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا أَرَادَ وَأَحَبَّ, وَلَكِنَّهُ تَفَضَّلَ بِحِلْمِهِ عَلَى خَلْقه, فَقَالَ: { وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير} يَعْنِي: مِنْ إِهْلَاك قَائِل ذَلِكَ, وَتَعْجِيل عُقُوبَته لَهُمْ, وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور.
ينبِّههم وجميعَ خلقه على موضع حجته عليهم، ليدَّبروه ويعتبروه فيعقلوا عنه = " وهو على كل شيء قدير " ، (35) يقول تعالى ذكره: والله الذي له ملك السموات والأرض وما فيهن, قادرٌ على إفنائهن وعلى إهلاكهن، وإهلاك عيسى وأمه ومن في الأرض جميعًا كما ابتدأ خلقهم, لا يعجزه ذلك ولا شيء أراده، لأن قدرته القدرةُ التي لا تشبهها قدرة، وسلطانه السلطان الذي لا يشبهه سلطان ولا مملكة. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الشورى - الآية 49. * * * (آخر تفسير سورة المائدة) (36) --------------- (34) انظر تفسير "الملك" فيما سلف 8: 480 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك. (35) انظر تفسير "قدير" فيما سلف من فهارس اللغة (قدر). (36) عند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا ، وفيها ما نصه: "آخر تفسير سورة المائدة صَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيم يَتْلُوهُ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى ، تَفْسِيرُ سُورَةِ الأَنْعَامِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمينَ"
وإنما يعني بذلك أن له تدبير السماوات والأرض وما بينهما وتصريفه ، وإفناءه وإعدامه ، وإيجاد ما يشاء مما هو غير موجود ولا منشإ. يقول: فليس ذلك لأحد سواي ، فكيف زعمتم ، أيها الكذبة ، أن المسيح إله ، وهو لا يطيق شيئا من ذلك ، بل لا يقدر على دفع الضرر عن نفسه ولا عن أمه ، ولا اجتلاب نفع إليها إلا بإذني؟
إن الذي أخبر محمداً يعلم أن أبا لهب لن يختار الإيمان أبداً، فيسجلها القرآن على نفسه، وبعد ذلك يموت أبو لهب كافرا. وكأن الله يريد أن يؤكد هذا فيوضح لك: إياك أن تظن أن ذلك الوعيد يتخلف؛ لأنى أنا " أحد صمد " ، ولا أحد يعارضنى في هذا الحكم؛ لذلك يقول في سورة الإخلاص: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ} [الإخلاص: 1-2]. لله ملك السموات والارض وما فيهن وهو على كل. فما دام " هو الله أحد " فيكون ما قاله أولاً لن ينقضه إله آخر، وستظل قولته دائمة أبداً. إذن فقول الحق سبحانه بعد قوله: { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ} يوضح لنا أنه قد ضم هذا الوعيد إلى تلك الحقيقة الإيمانية الجديدة: { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ} وجاء بالقوسين؛ لأن السماء تُظِل، والأرض تُقِل، فكل منا محصور بين مملوكين لله، وما دام كل منا محصوراً بين مملوكين لله، فأين تذهبون؟ { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ} وقد يكون هناك المَلِك الذي لا قدرة له أن يحكم، فيوضح سبحانه؛ لا، إن لله المُلْكَ وله القدرة. { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ثم يأتي بعد ذلك إلى تصور إيماني آخر ليحققه في النفوس بعد المقدمات التي أثبتت صدق الله فيما قال بواقع الحياة:
فجميع ما في السماوات والأرض ملك له ، وأهلهما عبيد أرقاء أذلاء بين يديه كما قال: ( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) [ مريم: 93 - 95]. ولهذا قال: ( وإلى الله ترجع الأمور) أي: إليه المرجع يوم القيامة ، فيحكم في خلقه بما يشاء ، وهو العادل الذي لا يجور ولا يظلم مثقال ذرة ، بل إن يكن أحدهم عمل حسنة واحدة يضاعفها إلى عشر أمثالها ، ( ويؤت من لدنه أجرا عظيما) [ النساء: 40] وكما قال تعالى: ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) [ الأنبياء: 47]. القرطبى: قوله تعالى: له ملك السماوات والأرض هذا التكرير للتأكيد أي: هو المعبود على الحقيقة وإلى الله ترجع الأمور أي: أمور الخلائق في الآخرة. وقرأ الحسن والأعرج ويعقوب وابن عامر وأبو حيوة وابن محيصن وحميد والأعمش وحمزة والكسائي وخلف " ترجع " بفتح التاء وكسر الجيم. لله ملك السماوات والأرض. الباقون ترجع. الطبرى: يقول تعالى ذكره: له سلطان السموات والأرض نافذ في جميعهنّ، وفي جميع ما فيهنّ أمره. (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ) يقول جلّ ثناؤه: وإلى الله مصير أمور جميع خلقه، فيقضي بينهم بحكمه.
يخلق ما يشاء من الخلق. يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور قال أبو عبيدة وأبو مالك ومجاهد والحسن والضحاك: يهب لمن يشاء إناثا لا ذكور معهن ، ويهب لمن يشاء ذكورا لا إناث معهم ، وأدخل الألف واللام على الذكور دون الإناث لأنهم أشرف فميزهم بسمة التعريف. لله ملك السموات والارض يخلق ما يشاء. وقال واثلة بن الأسقع: إن من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر ، وذلك أن الله تعالى قال: يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور فبدأ بالإناث. ﴿ تفسير الطبري ﴾ القول في تأويل قوله تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)يقول تعالى ذكره: لله سلطان السموات السبع والأرضين, يفعل في سلطانه ما يشاء, ويخلق ما يحبّ خلقَه, يهب لمن يشاء من خلقه من الولد الإناث دون الذكور, بأن يجعل كل ما حملت زوجته من حمل منه أنثى (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) يقول: ويهب لمن يشاء منهم الذكور, بأن يجعل كل حمل حملته امرأته ذكرا لا أنثى فيهم.