قال: فلما اشتد علي الأمر قلت لأقربائي ومن حولي: اقرءوا آيات السكينة ، قال: ثم أقلع عني ذلك الحال ، وجلست وما بي من قلبه. وقد جربت أنا أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه ، فرأيت لها تأثيراً عظيما في سكونه وطمأنينته السكينة نور وقوة وروح.. السكينة تسكن الخوف.. وتسلي الحزين والضجر.. وتجدد العزم والثبات والنشاط هذه قطوف من كتاب تهذيب مدارج السالكين.. لابن القيم ***
فمنا أحوجَنا اليوم - وخصوصًا في هذا الزمان - إلى استجلاب واستنزال تلك السكينة! هو الذي انزل السكينه في قلوب المؤمنين. وما أحوج القلوبَ اليوم إلى تلك الرحمات! ففي القلوب شعث ووحشة، وحزن وقلق، ونيران حسرات، وَفَاقَةٌ لا يسدها إلا الاعتصامُ به جل وعلا وبكتابه؛ كما ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله، ولا سبيل للوصول إلى تلك السكينة بمالٍ أو جاهٍ، أو منصب أو عشيرة أبدًا، وسبيلها الوحيد هو كتاب الله. ما نريده من كل مسلمٍ هو معرفة سبيل النجاة في الدارين، والقرآن هو مفتاح دار السعادة؛ لِمَا له من أثر في غرس الطمأنينة والسكينة، هكذا كان رسول الله عليه الصلاة والسلام في مدرسته يُعلِّم أصحابه، فيطلب تلك السكينة، فيقول: واللهِ لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدَّقنا ولا صلَّيْنا فأنزِلَنْ سكينةً علينا وثبِّتِ الأقدامَ إن لاقينا هكذا غرَس النبي صلى الله عليه وسلم مفهومَ السكينة في قلوب أصحابه، فنطقت حكمة على ألسنتهم، حتى قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر". اللهم ارزقنا إخلاص النية، وحسن الفهم، وصواب العمل، واجعل الحكمة لسانًا ننطق به في شأننا كله، وأَفِضْ علينا من السكينة والثبات ما تُنجِّينا به وقت الشدائد والصعاب والأزمات.
الفرق بين السَّكِينَة والوَقَار: السَّكِينَة والوَقَار كلمتان مترادفتان، إلَّا أنَّ هناك فرقًا طفيفًا بينهما، قال أبو هلال العسكري: إنَّ السَّكِينَة مُفَارَقة الاضطراب عند الغضب والخوف، وأكثر ما جاء في الخوف؛ ألَا ترى قوله تعالى: { فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} [التَّوبة: 40] وقال: { فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 26]، ويُضَاف إلى القلب، كما قال تعالى: { هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 4] فيكون هيبة وغير هيبة، والوَقَار لا يكون إلا هيبة. المشهور في الفرق بينهما: أنَّ السَّكِينَة هيئةٌ بدنيَّةٌ تنشأ من اطمئنان الأعضاء. هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. والوَقَار: هيئةٌ نفسانيَّةٌ تنشأ من ثبات القلب، ذكر ذلك صاحب التنقيح، ونقله صاحب مجمع البحرين عن بعض المحقِّقين. ولا يخفى أنَّه لو عُكِس الفرق، لكان أصوب، وأحقَّ بأن تكون السَّكِينَة هيئةً نفسانيَّةً، والوَقَار: هيئةٌ بدنيَّةٌ [1626] الفروق اللغوية (1/281). أولًا: في القرآن الكريم: قوله تعالى: { ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [التَّوبة: 26]، أي: أنزل عليهم ما يُسكِّنهم ويُذهب خوفهم، حتَّى اجترؤوا على قتال المشركين بعد أن ولَّوا [1627] تفسير القرطبى (8/101).