يحتفل المصريون بعيد الأم غدا الاثنين، وقالت دار الافتاء اتفق الفقهاء على أن بر الوالدين كليهما فرض عين، وذهب الجمهور منهم إلى أن للأم ثلاثة أضعاف ما للأب من البر؛ وذلك لما تنفرد به عن الأب من مشقة الحمل، وصعوبة الوضع، والرضاع، والتربية. وتابعت: أوجب اللهُ تعالى ورسولُهُ صلى الله عليه وآله وسلم بِرَّ الوالدين والإحسان إليهما في مواضع كثيرة؛ منها قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ۞ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 23-24]. بل إنَّ الله تبارك وتعالى قَرَنَ برَّ الوالدين بعبادته، وقرن عقوقهما بالشرك به سبحانه وتعالى؛ فقال عز وجل: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [النساء: 36]، وقَرَن شكرَهما بشكره في قوله سبحانه وتعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [لقمان: 14].
{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} مدَّةُ الحملِ والفصالِ ثلاثون شهرًا، أخذَ العلماءُ من ذلك أنَّ أقلَّ مدَّةِ الحملِ الَّذي يعيشُ الجنينُ بعدَه هي ستةُ أشهرٍ، لأنَّه جاءَ في الآية الأخرى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان:14] ثلاثون شهرًا نطرح منها اثني عشرَ شهرًا يبقى ستةُ أشهرٍ، هكذا.
(تفسيرُ السَّعديِّ) - القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} الآياتَ.
فهذا الحديث يدل على أن بر الأم والشفقة عليها مقدَّم على بر الأب، بل سبق وأن ذكرنا أن كثيرًا من العلماء يجعلون لها ثلاثة أضعاف ما للأب من البر، وذلك لذكرها ثلاث مرات في الحديث السابق؛ وقال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (10/ 239، ط. دار الكتب المصرية): [فهذا الحديث يدل على أن محبة الأم والشفقة عليها ينبغي أن تكون ثلاثة أمثال محبة الأب؛ لذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأم ثلاث مرات وذكر الأب في الرابعة فقط. وإذا توصل هذا المعنى شهد له العيان وذلك أن صعوبة الحمل وصعوبة الوضع وصعوبة الرضاع والتربية تنفرد بها الأم دون الأب، فهذه ثلاث منازل يخلو منها الأب.. ووصينا الانسان بوالديه. وقد سئل الليث عن هذه المسألة فأمره بطاعة الأم، وزعم أن لها ثلثي البر، وحديث أبي هريرة يدل على أن لها ثلاثة أرباع البر، وهو الحجة على من خالف] اهـ. وسبب تقديمه صلى الله عليه وآله وسلم للأم في البر ما تنفرد به عن الأب؛ من مشقة الحمل، وصعوبة الوضع، والرضاع والتربية، فهذه ثلاث أمور يخلو منها الأب؛ قال شيخ الإسلام النووي في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (16/ 102، ط. دار إحياء التراث): [وفيه الحث على بر الأقارب، وأن الأم أحقهم بذلك، ثم بعدها الأب، ثم الأقرب فالأقرب، قال العلماء: وسبب تقديم الأم كثرة تعبها عليه، وشفقتها، وخدمتها، ومعاناة المشاق في حمله، ثم وضعه، ثم إرضاعه، ثم تربيته وخدمته وتمريضه وغير ذلك] اهـ.
{وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} أي: هذا الوعدُ الَّذي وعدْناهم هوَ وعدٌ صادقٌ مِن أصدقِ القائلينَ - الشيخ: إي {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122] - القارئ: مِن أصدقِ القائلينَ الَّذي لا يخلفُ الميعادَ. - الشيخ: انتهى