وفي رواية أخرى: (يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني، فيقول أبوه فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول اللّه تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين؛ ثم يقول: يا إبراهيم انظر تحت رجلك فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار) ""أخرجه البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً ورواه النسائي في التفسير، قال ابن كثير: والذيخ هو الذكر من الضباع"".
بعد أن سأل الله سعادة الدنيا سأل الله سعادة الأخرى الأبدية: قوله: ﴿ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ﴾:أي من السعداء في الآخرة الذين يستحقون ميراث جنات الخلد، وقد أجاب اللَّه تعالى دعوته، فرفع منزلته في أعلى جنات النعيم، وفي هذا حثٌّ من اللَّه تبارك وتعالى لعباده على قوّة الهمم إلى الجدّ في السؤال بهذه الدعوات المباركات؛ لما تتضمنه من خيري الدنيا والآخرة. وانظر فوائد هذه الدعوة في الدعوة القادمة. ( [1]) سورة الشعراء، الآيات: 83-85. ( [2]) تفسير القرطبي، 7/ 105. دعاء رب هب لي حكما ... تفسير دعاء الخليل إبراهيم رب هب لي حكما - موقع محتويات. ( [3]) تفسير ابن سعدي، 5/ 524. ( [4]) انظر: تفسير الطبري، 19/ 364. ( [5]) تفسير الدعوات المباركات، ص 34. ( [6]) البخاري، كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، برقم 6509، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة y ، باب في فضل عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، برقم 2444. ( [7]) أحمد بلفظه، 24/ 247 برقم 15492، والنسائي في الكبرى، كتاب الجمعة، كم صلاة الجمعة، برقم 10372، والحاكم، 1/ 507، 3/ 23- 24، والأدب المفرد للبخاري، برقم 699، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد للبخاري، برقم 538، ص 259، وسيأتي تخريجه في الدعاء رقم 127.
فالعبد يجتهد أن يرافق الصالحين في الدنيا، فإن الرحمة والسلامة، والهدى تحوطهم حتى ينال صحبتهم، ومنازلهم ومقامهم في الآخرة، وإن لم يعمل بعملهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( الْمَرْءُ مَعَ م َنْ أَحَبّ َ))( [8]). وقوله: ﴿ وَاجْعَــــلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾: يعني الثناء الحسن بين الناس، أُذكر بالخير، والثناء الطيّب في باقي الأمم الآتية من بعدي، ((وهذا يتضمّن سؤال الدوام والختام على الكمال، وطلب نشر الثناء عليه، وهذا ما تتغذى به الروح من بعد موته؛ لأن الثناء عليه يستدعي دعاء الناس له، والصلاة والتسليم جزاء على ما عرفوه من زكاء نفسه))( [9]). فاستجاب اللَّه دعاءه، ((فوهب له من العلم والحكم، ما كان به من أفضل المرسلين، وألحق بإخوانه المرسلين، وجعله محبوباً مقبولاً، مُعظَّماً مُثنىً عليه في جميع الملل، في كل الأوقات))( [10])، وفي كل الأزمنة. ((وقد أخذ أهل العلم من هذه الدعوة الترغيب في العمل الصالح الذي يكسب العبد به الثناء الحسن، ويورّثه الذكر الجميل، إذ هو الحياة الثانية، كما قيل: ( قد مات قوم وهم في الناس أحياء) أي بذكرهم الطيّب، وسيرتهم العطرة))( [11]). ((روى أشهب عن مالك قال: قال اللَّه عز وجل ﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾: لا بأس أن يحب الرجل أن يُثنى عليه صالحاً، ويُرى في عمل الصالحين، إذا قصد به وجه اللَّه تعالى))( [12]).
أي أتاني خبر من أعلى، والتأنيث للكلمة. وكان قد أتاه خبر مقتل أخيه المنتشر. روى أشهب عن مالك قال قال الله عز وجل { واجعل لي لسان صدق في الآخرين} لا بأس أن يحب الرجل أن يثنى عليه صالحا ويرى في عمل الصالحين، إذا قصد به وجه الله تعالى؛ وقد قال الله { وألقيت عليك محبة مني} طه 39 وقال { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} مريم 96 أي حبا في قلوب عباده وثناء حسنا، فنبه تعالى بقوله { واجعل لى لسان صدق في الآخرين} على استحباب اكتساب ما يورث الذكر الجميل. الليث بن سليمان: إذ هي الحياة الثانية. قيل: قد مات قوم وهم في الناس أحياء قال ابن العربي: قال المحققون من شيوخ. الزهد في هذا دليل على الترغيب في العمل الصالح الذي يكسب الثناء الحسن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث) الحديث وفي رواية إنه كذلك في الغرس والزرع وكذلك فيمن مات مرابطا يكتب له عمله إلى يوم القيامة. وقد بيناه في آخر "آل عمران" والحمد لله. قوله تعالى: { واجعلني من ورثة جنة النعيم} دعاء بالجنة وبمن يرثها، وهو يرد قول بعضهم: لا أسأل جنة ولا نارا. { واغفر لأبي إنه كان من الضالين} كان أبوه وعده في الظاهر أن يؤمن به فاستغفر له لهذا، فلما بان أنه لا يفي بما قال تبرأ منه.