ومعنى قوله: (وأن يستعففن خير لهن) أي أن يستعففن كما تستعفف الشواب، فيتركن الأخذ بهذه الرخصة خير لهن. قال القرطبي: واستعفافهن عن وضع الثياب والتزامهن ما يلزم الشواب أفضل لهن وخير، يقول الله تعالى: ( وَ الْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَ أَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [ النور: 60].
وقوله: { اللاتي لا يرجون نكاحاً} وصف كاشف ل { القواعد} وليس قيداً. واقترن الخبر بالفاء في قوله { فليس عليهن جناح} لأن الكلام بمعنى التسبب والشرطية ، لأن هذا المبتدأ يشعر بترقب ما يرد بعده فشابه الشرط كما تقدم في قوله تعالى: { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [ المائدة: 38]. ولا حاجة إلى ادعاء أن ( ال) فيه موصولة إذ لا يظهر معنى الموصول لحرف التعريف وإن كثر ذلك في كلام النحويين. و { أن يضعن} متعلق ب { جناح} بتقدير ( في). والمراد بالثياب بعضها وهو المأمور بإدنائه على المرأة بقرينة مقام التخصيص. والوضع: إناطة شيء على شيء ، وأصله أن يعدى بحرف ( على) وقد يعدى بحرف ( عن) إذا أريد أنه أزيل عن مكان ووضع على غيره وهو المراد هنا كفعل ( ترغبون) في قوله تعالى: { وترغبون أن تنكحوهن} في سورة النساء ( 127) ، أي أن يزلن عنهن ثيابهن فيضعنها على الأرض أو على المشجب. وعلة هذه الرخصة هي أن الغالب أن تنتفي أو تقل رغبة الرجال في أمثال هذه القواعد لكبر السن. الْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. فلما كان في الأمر بضرب الخُمُر على الجيوب أو إدناء الجلابيب كلفة على النساء المأمورات اقتضاها سد الذريعة ، فلما انتفت الذريعة رفع ذلك الحكم رحمة من الله ، فإن الشريعة ما جعلت في حكم مشقة لضرورة إلا رفعت تلك المشقة بزوال الضرورة وهذا معنى الرخصة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا) وهي المرأة لا جناح عليها أن تجلس في بيتها بدرع وخمار، وتضع عنها الجلباب ما لم تتبرّج لما يكره الله وهو قوله: ( فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ثُمَّ قَالَ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ). حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ( يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) يعني الجلباب، وهو القناع، وهذا للكبيرة التي قد قعدت عن الولد، فلا يضرّها أن لا تجلبب فوق الخمار. والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا. وأما كلّ امرأة مسلمة حرّة، فعليها إذا بلغت المحيض أن تدني الجلباب على الخمار، وقال الله في سورة الأحزاب يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وكان بالمدينة رجال من المنافقين إذا مرت بهم امرأة سيئة الهيئة والزيّ، حسب المنافقون أنها مزنية وأنها من بغيتهم، فكانوا يؤذون المؤمنات بالرفث ولا يعلمون الحرّة من الأمة، فأنـزل الله في ذلك يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ يقول: إذا كان زيهنّ حسنا لم يطمع فيهن المنافقون.
وحكى الزجاج أن العرب تعبر عما يعقل وعما لا يعقل بأولئك ، وأنشد هو والطبري: ذم المنازل بعد منزلة اللوى والعيش بعد أولئك الأيام وهذا أمر يوقف عنده. وأما البيت فالرواية فيه " الأقوام " والله أعلم.
إعراب الآية 36 من سورة الإسراء - إعراب القرآن الكريم - سورة الإسراء: عدد الآيات 111 - - الصفحة 285 - الجزء 15. (وَلا) الواو عاطفة ولا ناهية (تَقْفُ) مضارع مجزوم بحذف حرف العلة وفاعله مستتر والجملة معطوفة (ما) موصولية مفعول به (لَيْسَ) فعل ماض ناقص (لَكَ) متعلقان بخبر مقدم (بِهِ) متعلقان بمحذوف حال (عِلْمٌ) اسم ليس والجملة صلة (إِنَّ السَّمْعَ) إن واسمها (وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ) معطوف على ما قبله والجملة تعليلية لا محل لها (كُلُّ) مبتدأ (أُولئِكَ) اسم إشارة مضاف إليه والكاف للخطاب وجملة كل إلخ خبر إن (كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا) كان وخبرها واسمها محذوف الجار والمجرور متعلقان بالخبر والجملة خبر كل القفو: الاتباع ، يقال: قَفاه يقفوه إذا اتبعه ، وهو مشتق من اسم القفا ، وهو ما وراء العنُق. واستعير هذا الفعل هنا للعمل. حل لغز في أي سورة قوله تعالى وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولًا - سيد الجواب. والمراد ب { ما ليس لك به علم} الخاطر النفساني الذي لا دليل عليه ولا غلبة ظن به. ويندرج تحت هذا أنواع كثيرة. منها خلةٌ من خلال الجاهلية ، وهي الطعن في أنساب الناس ، فكانوا يرمون النساء برجال ليسوا بأزواجهن ، ويليطون بعض الأولاد بغير آبائهم بهتاناً ، أو سوءَ ظن إذا رأوا بعداً في الشبه بين الابن وأبيه أو رأوا شَبَهه برجل آخر من الحي أو رأوا لوناً مخالفاً للون الأب أو الأم ، تخرصاً وجهلاً بأسباب التشكل ، فإن النسل ينزع في الشبه وفي اللون إلى أصول من سلسلة الآباء أو الأمهات الأدنَيْن أو الأبعدِين ، وجهلا بالشبه الناشىء عن الوحَم.