وأن أَمرَ الطاعة والعبادة مع قوة الإسلام يرجى فيهما المسامحة، نسأل الله العفو والعافية ونعوذ بالله من درك الهاوية؛ اهـ. الثانية: تعليق العلامة ابن باز على قوله: (بك اليوم آخذ وبك أعطي): قال العلامة ابن باز: قوله صلى الله عليه وسلم: «بِكَ الْيَوْمَ آخُذُ وَبِكَ أُعْطِي»: فمن توفي على الإسلام فله الجنة، إما من أول وهلة إن سلم من المعاصي، وإما بعد العقوبة التي يقدرها الله عليه بسبب المعاصي التي مات عليها إن لم يعفُ الله عنه، فليس هناك نجاة إلا بالإسلام، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ [آل عمران:85]. فمن مات على غير الإسلام ولو عنده ما عنده من الطاعات أمثال الجبال، فإنها حابطة، قال تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]. لا بد من التوحيد من شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدخول في الإسلام بقلبه وقالبه، ثم بعد ذلك الأعمال. فمن استقام على الأعمال دخل الجنة من أول وهلة، ومن قصر في شيء من الأعمال الواجبة عليه أو أتى بعض المعاصي التي حرم الله، صار تحت المشيئة إن شاء الله عفا عنه، وإن شاء عذبه على قدر ما عنده من المعاصي؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].
قال الله تعالى: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وفي الحديث: اعص هواك والنساء...... وقيل للناس: في قصة يوسف عليه الصّلاة والسّلام آيات أعظمها قوله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ قال: من أجاب الهوى إلى كلّ ما يد... عو إليه داعيه ضلّ وتاها النهي عن اتّباع هوى غيرك قال الله تعالى: وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ. وقال: وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ. وقال: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ. وقال بعضهم لرجل: أني أهوى أن تقتل فلانا، فقال له: إني لا أدخل النار في هوى غيري وإن كنت أدخلها في هواي. ذمّ من اتبع هواه قال الله تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ. وفي حديث: ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه. وقيل: اتباع الهوى أوكد أسباب الردى. ووقّع عبد الله بن طاهر إلى عامل له: نفسك قد أعطيتها مناها... فاغرة نحو مناها فاها
ودين الأنبياء هو دين الإسلام، الذي لا يقبل الله غيره، وهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك وأهله: قال تعالى عن نوح: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ). وقال عن إبراهيم: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) وقال عن موسى: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ). وقال عن المسيح: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ). وقد قال تعالى فيمن تقدم من الأنبياء وعن التوارة: (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا) وقال تعالى عن ملكة سبأ: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). فالإسلام هو دين الأنبياء جميعا، وهو الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره؛ كان مشركا، ومن لم يستسلم له ؛ كان مستكبرًا، وكل من المشرك والمستكبر عن عبادة الله كافر. والاستسلام لله يتضمن عبادته وحده ، وأن يطاع وحده، وذلك بأن يطاع في كل وقت بفعل ما أمر به في ذلك الوقت ، فإذا أمر في أول الإسلام بأن يستقبل بيت المقدس ، ثم أمر بعد ذلك باستقبال الكعبة؛ كان كل من الفعلين ، حين أمر به: داخلاً في الإسلام؛ فالدين هو الطاعة، وكل من الفعلين عبادة لله، وإنما تتنوع بعض صور الفعل، وهو توجه المصلي.
ثم قال: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ فجعلهم بهذه المراتب، بهذا التفاوت والتفاضل، وإذا كان العلم الدنيوي يتفاضل به الناس كما هو معلوم، فالكلب المعلَّم تكون مرتبته ليست كالكلب الذي لم يتعلم، كما قال الله : وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ [المائدة:4]، فإذا انطلق الكلب المعلم وصاد فإنه يحل صيده، وإذا كان ليس كذلك فإنه لا يحل ما صاده. وعن ابن مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري قال: قال رسول الله ﷺ: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سنا، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه [1]. هذا الحديث يتعلق بمسألة الإمام، والأحق بالإمامة، لكن أورده المصنف -رحمه الله- هنا من أجل بيان هذا المعنى، وهو تفاضل الناس، تقديم أهل الفضل، أهل الكمالات على غيرهم. فهذا الحديث ذكر درجات للناس فيما يتصل بالإمامة، يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، الأقرأ كان في زمن المخاطبين هو الأفقه وهو الأعلم، والصحابة كما جاء عن أبي عبد الرحمن السلمي وغيره أن الواحد منهم ما كان يتجاوز عشر آيات حتى يتعلم ما فيها من العلم والعمل.
وينظر السؤال رقم: ( 172775). والله تعالى أعلم.
الكلام على ألفاظ حديث: (تجيء الأعمال يوم القيامة... )؛ الحديث: قوله: (باب قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ... الآية ﴾): قال العلامة ابن باز: ومعنى هذا أنه يجب الإسلام على جميع الأمة الإسلامية، وأنه لا نجاة لها ولا سعادة إلا بالإسلام؛ اهـ. قوله: ( تَجِيءُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) في هذا بيان أن الأعمال الصالحة تتجسد، وفي حديث البراء - الطويل في عذاب القبر - ما يدل على تجسيد الأعمال الصالحة والسيئة، والله أعلم. قوله: (إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ): قال الملا علي القاري في "المرقاة" (15 /121): وهذا رد لها على ألطف وجه؛ أي: أنت ثابتة مستقرة على خير؛ كقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى ﴾ [البقرة:5]. ولكن لست بمستقلة فيها ولا كافية في الاحتجاج، وعلى هذا المنوال سائر الأعمال من الصدقة والصيام، وبقية الأفعال، وهكذا بقية الأعمال؛ اهـ. قوله: (فَتَجِيءُ الصَّدَقَةُ): يدخل فيها الزكاة المفروضة، والفطر، والتطوع وغيرها، والله أعلم. قوله: (ثُمَّ يَجِيءُ الصِّيَامُ): قال في "المرقاة" (15 /121): ولعل وجه تأخيره عن الصدقة في العقبى، تأخير وجوبه عنها في الدنيا؛ اهـ. قوله: (ثُمَّ تَجِيءُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَلِكَ): قال في "المرقاة" (15 /121): أي: سائرها من الحج والجهاد وطلب العلم، ونحوها على ذلك؛ أي: على هذا المنوال متفقة على هذا المقال يقول: استئناف أو حال، وكان مقتضى الظاهر، فيقول الله تعالى وفي نسخة صحيحة: فيقول تعالى: «إنك - أي: أيها العمل - على خير »؛ اهـ.