قال أبو بكر: هذا كلام شديد الاختلال والتناقض خارج عن قول الأمة سلفها وخلفها، وذلك لأنه لا يختلف أهل النقل والمفسرون في أن الفرض كان في أول الاسلام مقاومة الواحد للعشرة، ومعلوم أيضا أن قوله تعالى: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) وإن كان لفظه لفظ الخبر فمعناه الأمر، كقوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن) [البقرة: 33] وقوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن) [البقرة: 228]، و ليس هو إخبارا بوقوع ذلك وإنما هو أمر بأن لا يفر الواحد من العشرة، ولو كان هذا خبرا لما كان لقوله: (الآن خفف الله عنكم) معنى، لأن التخفيف إنما يكون في المأمور به لا في المخبر عنه. ومعلوم أيضا أن القوم الذين كانوا مأمورين بأن يقاوم الواحد منهم العشرة من المشركين داخلون في قوله: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) فلا محالة قد وقع النسخ عنهم فيما كانوا تعبدوا به من ذلك، ولم يكن أولئك القوم قد نقصت بصائرهم ولا قل صبرهم وإنما خالطهم قوم لم يكن لهم مثل بصائرهم ونياتهم، وهم المعنيون بقوله تعالى: (وعلم أن فيكم ضعفا)، فبطل بذلك قول هذا القائل بما (٩٢) الذهاب إلى صفحة: «« «... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97... » »»
إعراب الآية 66 من سورة الأنفال - إعراب القرآن الكريم - سورة الأنفال: عدد الآيات 75 - - الصفحة 185 - الجزء 10. (الْآنَ) ظرف زمان مبني على الفتح، متعلق بالفعل خفف بعده. (خَفَّفَ) فعل ماض تعلق به الجار والمجرور عنكم و(اللَّهُ) لفظ الجلالة فاعله والجملة مستأنفة. (عَنْكُمْ) متعلقان بيخفف (وَعَلِمَ) فعل ماض. (أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) أن واسمها والجار والمجرور خبرها. وقد سدت الجملة مسد مفعولي علم والجملة معطوفة. (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ) إعرابها كالآية السابقة والجملة مستأنفة. (بِإِذْنِ) متعلقان بيغلبوا. (وَاللَّهُ) لفظ الجلالة مضاف إليه. (اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) الجملة حالية أو مستأنفة. هذه الآية نزلت بعد نزول الآية التي قبلها بمدّة. قال في «الكشّاف»: «وذلك بعد مدّة طويلة». الان خفف الله عنكم وعلم. ولعلّه بعد نزول جميع سورة الأنفال ، ولعلّها وضعت في هذا الموضع لأنّها نزلت مفردة غير متّصلة بآيات سورة أخرى ، فجعل لها هذا الموضع لأنّه أنسب بها لتكون متّصلة بالآية التي نَسخت هي حكمَها ، ولم أر من عيّن زمن نزولها. ولا شكّ أنّه كان قبل فتح مكّة فهي مستأنفة استئنافاً ابتدائياً محضاً لأنّها آية مستقلة. و { الآن} اسم ظرف للزمان الحاضر.
والضعفُ: عدم القدرة على الأعمال الشديدة والشاقّة ، ويكون في عموم الجسد وفي بعضه وتنكيره للتنويع ، وهو ضعف الرهبة من لقاء العدد الكثير في قلّة ، وجعْله مدخول ( في) الظرفية يومىء إلى تمكّنه في نفوسهم فلذلك أوجب التخفيف في الكليف. ويجوز في ضاد ( ضعف) الضمّ والفتح ، كالمُكث والمَكثثِ ، والفُقر والفَقر ، وقد قرىء بهما؛ فقرأه الجمهور بضمّ الضاد وقرأه عاصم ، وحمزة ، وخلف بفتح الضاد. ووقع في كتاب «فقه اللغة» للثعالبي أنّ الفتح في وهن الرأي والعقللِ ، والضم في وهن الجسم ، وأحسب أنّها تفرقة طارئة عند المولّدين. وقرأ أبو جعفر { ضُعَفاء} بضمّ الضاد وبمدّ في آخره جمعَ ضعيف. والفاء في قوله: { فإن تكن منكم مائة صابرة} لتفريع التشريع على التخفيف. الباحث القرآني. وقرأ نافع ، وابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، ويعقوب { تكن} بالمثناة الفوقية. وقرأه البقية بالتحتية للوجه المتقدّم آنفاً. وعبّر عن وجوب ثبات العدد من المسلمين لمثليْه من المشركين بلفظي عددين معيّنين ومِثْليْهما: ليجيء الناسخ على وفق المنسوخ ، فقوبل ثبَات العشرين للمائتين بنسخه إلى ثَبات مائة واحدة للمائتين فأُبقِيَ مقدار عدد المشركين كما كان عليه في الآية المنسوخة ، إيماء إلى أنّ موجب التخفيف كثرة المسلمين ، لا قلّة المشركين ، وقوبل ثبات عدد مائة من المسلمين لألف من المشركين بثبات ألف من المسلمين لألفين من المشركين إيماء إلى أنّ المسلمين الذين كان جيشهم لا يتجاوز مرتبة المئات صار جيشهم يعدّ بالآلاف.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَرَأ عاصِمٌ وحَمْزَةُ "عَلِمَ أنَّ فِيكم ضَعْفًا" بِفَتْحِ الضّادِ وفي الرَّوْمِ مِثْلَهُ، والباقُونَ فِيهِما بِالضَّمِّ، وهُما لُغَتانِ صَحِيحَتانِ، الضَّعْفُ والضُّعْفُ كالمَكْثِ والمُكْثِ. وخالَفَ حَفْصٌ عاصِمًا في هَذا الحَرْفِ وقَرَأهُما بِالضَّمِّ وقالَ: ما خالَفْتُ عاصِمًا في شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ إلّا في هَذا الحَرْفِ. فصل: إعراب الآية رقم (64):|نداء الإيمان. المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: الَّذِي اسْتَقَرَّ حُكْمُ التَّكْلِيفِ عَلَيْهِ بِمُقْتَضى هَذِهِ الآيَةِ أنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ بالِغٍ مُكَلَّفٍ وقَفَ بِإزاءِ مُشْرِكَيْنِ، عَبْدًا كانَ أوْ حُرًّا فالهَزِيمَةُ عَلَيْهِ مُحَرَّمَةٌ ما دامَ مَعَهُ سِلاحٌ يُقاتِلُ بِهِ، فَإنْ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ سِلاحٌ فَلَهُ أنْ يَنْهَزِمَ، وإنْ قاتَلَهُ ثَلاثَةٌ حَلَّتْ لَهُ الهَزِيمَةُ، والصَّبْرُ أحْسَنُ. رَوى الواحِدِيُّ في "البَسِيطِ" أنَّهُ وقَفَ جَيْشُ مُؤْتَةَ وهم ثَلاثَةُ آلافٍ وأُمَراؤُهم عَلى التَّعاقُبِ زَيْدُ بْنُ حارِثَةَ ثُمَّ جَعْفَرُ بْنُ أبِي طالِبٍ ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ في مُقابَلَةِ مِائَتَيْ ألْفٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، مِائَةُ ألْفٍ مِنَ الرُّومِ ومِائَةُ ألْفٍ مِنَ المُسْتَعْرِبَةِ وهم لَخْمٌ وجُذامُ.
إعراب الآية رقم (64): {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)}. الإعراب: (يا) أداة نداء (أيّ) منادى نكرة مقصودة مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب و(ها) حرف تنبيه (النبيّ) بدل من أيّ أو عطف بيان له تبعه في الرفع لفظا (حسبك) مبتدأ مرفوع- والكاف ضمير مضاف إليه (اللّه) لفظ الجلالة خبر مرفوع الواو عاطفة (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع معطوف على لفظ الجلالة، (اتّبع) فعل ماض، والفاعل هو والكاف ضمير مفعول به (من المؤمنين) جارّ ومجرور متعلّق بحال من ضمير الخطاب. وجملة: (النداء يأيّها... ) لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: (حسبك اللّه) لا محلّ لها جواب النداء. وجملة: (اتّبعك... الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا. ) لا محلّ لها صلة الموصول (من). الفوائد: قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). حسبك: مبتدأ، والكاف في محلّ جر بالإضافة، واللّه لفظ الجلالة خبر ويجوز حسبك خبر مقدم، واللّه لفظ الجلالة مبتدأ مؤخر. وقد عقد ابن هشام فصلا ذكر فيه متى نعرب الجملة مبتدأ وخبرا، أو خبرا ومبتدأ، فقال: يجب الحكم بابتدائية المقدم من الاسمين في ثلاث مسائل: 1- أن يكونا معرفتين تساوت رتبتهما نحو: (اللّه ربنا) أو اختلفت نحو: (زيد الفاضل) و(الفاضل زيد).
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكم وعَلِمَ أنَّ فِيكم ضَعْفًا فَإنْ يَكُنْ مِنكم مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وإنْ يَكُنْ مِنكم ألْفٌ يَغْلِبُوا ألْفَيْنِ بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصّابِرِينَ﴾.