وأنت تدعو باسمه "القيوم" استحضر أنه سبحانه وحده القائم بنفسه، فلا يحتاج إلى أحد لكمال قدرته وكمال غناه. وهو سبحانه -أيضًا-: الذي تقوم به جميع المخلوقات، فبدونه سبحانه لا يمكن أن يتمّ وجود ولا خلق ولا تدبير، فهو الذي أحاط بالجميع خلْقًا وعلمًا وتدبيرًا ورحمة. 2- أما النداء الثاني فهو: "ياذا الجلال والإكرام". في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: "ألظُّوا بياذا الجلال والإكرام" أي: أكثروا من قوله والتلفظ به في دعائكم. ولا شك أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من هذا النداء في الدعاء لما اشتمل عليه من معانٍ عظيمة لها تأثير في قلب الداعي إذا تفهمها، ومن ثم لها منزلة عند ربِّ العالمين والعبدُ يتوسل إلى ربِّه بها. فذو الجلال أي: ذو العظمة والكبرياء، فكل أوصاف العظمة والكبرياء راجعة إليه سبحانه من العزة والقوة والغنى والقدرة والإحاطة.. وذو الإكرام أي: ذو الرحمة والجود والإحسان العام والخاص. ولك أن تتصور هذا الإنسان الواقف بين يدي ربِّه وقد أخذ يدعوه: يا حيُّ يا قيوم، ياذا الجلال والإكرام، وقد غمرت قلبه هذه المعاني الجليلة لهذين النداءين، فأي سكينة وطمأنينة ستحيط به؟ ثم أي قوة وتماسك سينهض به لتدبير حياته؟ ثم أي فأل واستبشار بتحقيق أمنياته؟ في الحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: كنت جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ورجل يصلي، فقال: اللهم إني أسألك بأنَّ لك الحمد لا إله إلا أنت، المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى).
الدعاء هو أحب لغة التواصل إلى الله، فلا يحب كرهه، بل يحققه لعبده بثلاث صور؛ إما بتحقيق دعوة عبده في وقتها، أو تأخيرها للوقت المناسب، أو استبدال هذه الدعوة بأخرى أكثر فائدة لعبده من دعوته الرئيسية، فعن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنه قال: "ليس شيء أكرم على الله -عز وجل- من الدعاء"؛ رواه أحمد. اقرأ أيضًا: دعاء شرب ماء زمزم فضل دعاء " ياذا الجلال والإكرام اكرمني" أصل الدعاء هو "يا ذا الجلال والإكرام" وقد صح عن رسول الله عليه وعلى آله السلام والرحمة، قوله: "ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام" ويقصد اعتمدوها، اجعلوها وردًا يوميًا لها، وأكثروا من ترديدها، ومن مثيلاتها بل والأعظم منها أيضًا: "يا حي يا قيوم". وقد قيل أنه أحد أسماء الله الواحد القهار، الذي لا يرد أبدًا من دعاه به، فإذا دعا أجاب، وإذا سئل أعطى، فلا يتعين على العبد سوى التهافت في الدعاء، المناداة، الاستغاثة، حد إدمان الدعاء، ليريه الله عظيم فرجه، فيظْفر بما يريد، ويفلح: " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم". فضل دعاء "ياذا الجلال والإكرام اكرمني" روي عن رسول الله عليه وعلى آله السلام والرحمة، أيضًا أنه سمع أحد الرجال يتضرع لربه بالدعاء: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم" ليعقب عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام بأنه: "دعى الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى" رواه الترمذي.
وليس الأمر كذلك! فليس نعيمُ الدنيا دليلاً على نعيمِ الآخرة، ولا هوانُ الدنيا دليلاً على هَوانِ الآخرة، وإكرامه للعبد يكون مُعجّلاً في الدنيا، ومُوجّلاً في الآخِرة، ويكون عُموماً في الخليقة، وخُصُوصاً لأهل الحقيقة، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء: 70). 3- حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمته على الدعاء بهذين الاسمين، فقال:" ألظُّوا بياذا الجلال والإكرام". ومعنى ألظُّوا: أي ألزموا هذه الدعوة، وأكثروا منها، ودُوموا على قولكم ذلك في دعائكم، وسؤالكم لربكم جلَّ شأنه. ولما سمع صلى الله عليه وسلم رجلاً يَدْعو في المسْجد، يقول: اللهمَّ إنِّي أسْألُك بأنَّ لكَ الحَمْد، لا إله إلا أنتَ الحَنَّانُ المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرْض، يا ذَا الجَلال والإكْرام، يا حَيُّ يا قيُّوم، قال صلى الله عليه وسلم:"دَعَا الله باسْمه الأعْظَم، الذي إذا دُعِي به أجَاب، وإذا سُئِلَ به أَعْطَى". 4- وكان صلى الله عليه وسلم إذا انْصَرفَ مِنْ صلاته؛ اسْتغفر ثلاثاً، وقال: "اللهمَّ أنتَ السَّلامُ؛ ومنكَ السَّلامُ؛ تباركتَ يا ذَا الجَلالِ والإكْرام". من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي
وكذلك في السنَّة، كما في حديث: "تباركت ربنا وتعاليت". والجواب: أن إسناده إلى الاسم نفسه قد جاء في الكتاب، كهذه الآية وغيرها، وفي السنّة كما في الدعاء الآخر: "تبارك اسمك وتعالى جدُّك". ولا داعي إلى تأويله؛ لأن معنى "تبارك": تكاثرت بركته ، أي: خيرُه. وأسماء الله تبارك وتعالى كثيرة البركة، فبها تستفاد الخيرات، إذ بها يدعى سبحانه فيجيب، ويُستعان فيعين، ويُستغاث فيغيث، ويُستغفر فيغفر، وبه يُوحَّد ويُمجَّد ويُحمَد ويُسبَّح، إلى غير ذلك. وقد قال ابن الأنباري: "تبارك الله: أي يُتبرك باسمه في كل شيء". ذكره صاحب لسان العرب وغيره. فإن قيل: لكن السورة من أولها إنما عددت نعم الرب وبركاته وخيراته عزَّ وجلَّ، ولا يظهر فيها ما يتعلق بالاسم ؟ قلت: هذا سؤال قوي، وجوابه بحمد الله عَزَّ وَجَلَّ سهل، وهو أن تلك النعم تتعلق باسمين من أسمائه سبحانه، أحدهما: الرحمن، والثاني: الربّ. ودلّ على ذلك بناؤه السورة على الأول: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)... ). ثم عقب تفصيلها ، بعنوان الثاني، وذلك قوله: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) ومعنى الرحمن والرب موافق لذلك، فقد يكون أحد هذين أو كلاهما هو المراد بالاسم.
جاء في "الموسوعة العقدية، للدرر السنية": " والحاصل أن أسماء الله كثيرة لا تحصر ولا تحد بعدد، وهي متفاضلة غير متساوية في الفضل، بعضها أفضل من بعض، وإن كانت أسماء لمسمى واحد. والأدلة على تفاضل أسماء الله متعددة، فإن النصوص تدل على أن بعض أسمائه سبحانه أفضل من بعض. ففي الآثار ذكر اسمه الأعظم سبحانه ، وقد وردت روايات متعددة في ذكر الاسم الأعظم، ففي روايات يقول صلى الله عليه وسلم: (لقد سأل الله باسمه الأعظم). وفي أخرى: (دعا الله باسمه الأعظم)، (لقد دعا الله باسمه العظيم)، وفي أخرى: (اسم الله الأعظم في كذا).. ، على اختلاف في تعيين الاسم الأعظم ما هو؟ وهي مسألة للناس فيها خلاف معروف في كتب العلم. ففي هذه الروايات دلالة ظاهرة على تفاضل الأسماء الحسنى، لدلالتها على أن في الأسماء الحسنى اسم أعظم يفضلها فهو أعظمها. ومن الأدلة على تفاضل أسمائه سبحانه قوله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحد، من أحصاها دخل الجنة). فخص النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الأسماء التسعة والتسعين بهذه الفضيلة، وهي أن من أحصاها دخل الجنة، فاختصت بهذه الفضيلة. وأسماء الله غير محصورة في هذا العدد ، فله سبحانه أسماء غيرها، إذ هذه هي دلالة الحديث التي نقل النووي الاتفاق عليها في قوله: " واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها"... وذكروا وجوه تفاضل أسماء الله تعالى، فلتراجع: وانظر جواب السؤال رقم: ( 146569).
وبشّرتُ آمالي بشخصٍ هو الورى *** ودارٍ هي الدنيا ويومٍ هو الدهرُ 42 4 343, 903
وقال السّعدي: (ذو الجَلال والإكرام): أي: ذو العَظمة والكبرياء، وذو الرّحمة والجود والإحسان العام والخاص، المُكْرم لأوليائه وأصْفيائه، الذين يُجلُّونه ويُعظِّمونه ويحبونه. من آثار الإيمان باسم الله "ذو الجلال والإكرام" 1- أنَّ الله تعالى هو المُستحقُّ وحْده؛ لأنْ يُجلّ ويُنزّه ويعظم لذاته، لكمال ذاته؛ وصِفاته وأسْمائه، وليس في الوجود مَنْ هو بمثل هذه الصفة غيره، جلَّ جلاله وتقدَّست أسْماؤه. فجلاله سبحانه وتعالى؛ صفةٌ اسْتَحقها لذاته. قال الأصمعي: ولا يقال (الجلال) إلا لله عزّ وجل. وقال أبو حاتم السَّجِستاني: قد يقال (جلالٌ) في غير الله. 2- أنَّ الله تعالى يُكرم أولياءه، والإكْرامُ قريبٌ مِنَ الإنْعام؛ ولكنه أخصُّ، فكلُّ إكرامٍ إنْعام، وليس كلّ إنْعامٍ إكْراماً.