( لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا) أي: عظيما وخيما. من عظيم أمره أنه (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ) على عظمتها وصلابتها ( يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) أي: من هذا القول ( وَتَنْشَقُّ الأرْضُ) منه، أي: تتصدع وتنفطر ( وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) أي: تندك الجبال " انتهى من "تفسير السعدي" (501). ثانيًا: أما تنويع استخدام الفعل مع السماء والأرض: 1- ذهب أكثر العلماء أن الانفطار والانشقاق بمعنى واحد، وأنهما ذُكرا هنا على سبيل التنويع، يقول ابن عاشور: " والتفطر: الانشقاق. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الشورى - الآية 5. والجمع بينه وبين وتنشق الأرض: تفنن في استعمال المترادف ، لدفع ثقل تكرير اللفظ " انتهى من "التحرير والتنوير"(16/ 170). 2- وقيل: أن الانفطار هنا بمعنى: السقوط، والانشقاق بمعنى: الخسف. انظر: "البحر المحيط" (7/ 301). وقد يرجع هذا المعنى إلى الأول من وجه. والله أعلم.
وقول الله تعالى (وإلى مدين أخاهم شعيباً) هذه أخوة نسب، وأما قوله (كذب أصحاب الأيكة المرسلين * إذ قال لهم شعيب) ولم يقل: أخوهم شعيب، لأن أصحاب الأيكة غير أصحاب مدين، بل هم قوم آخرون، فشعيب ليس منهم، ولهذا لم يقل: أخوهم شعيب). انتهى كلام شيخنا ابن عثيمين. فإن قيل: وما تقول في قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى.. الآية) فالجواب: معناها ظاهر وأن الناس مسلمهم وكافرهم بينهم جنسية إنسانية، فالكافر من جنس المسلم في الإنسانية، لكن ليس أخاه، كما وضح ذلك شيخنا ابن عثيمين رحمه الله. وحتى لو كان أخاً في الإنسانية، فكفره بالله ورسوله لا يجعل لهذه الأخوة الإنسانية أو النسبية أي قيمة. تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن. وعليه يتضح القول الوسط الذي عليه معتقد أهل السنة والجماعة، أن الولاء إنما يكون لأهل الإسلام، والبراء يكون للكفار أعداء الله ورسوله، وأن كراهية الكفار لا تعني ظلمهم أو الاعتداء بغير حق، كما تقدم بيانه في الأدلة الشرعية أعلاه، والأدلة الشرعية يجب العمل بها كلها، وجمعها في المسألة الواحدة، فإن كلام الله حق، ولا يمكن أن يتعارض أو يتناقض، قال تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا).
حدثنا محمد بن منصور الطوسي, قال: ثنا حسين بن محمد, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس, قال: جاء رجل إلى كعب فقال: يا كعب أين ربنا؟ فقال له الناس: دقّ الله تعالى, أفتسال عن هذا؟ فقال كعب: دعوه, فإن يك عالما ازداد, وإن يك جاهلا تعلم. سألت أين ربنا, وهو على العرش العظيم متكئ, واضع إحدى رجليه على الأخرى, ومسافة هذه الأرض التي أنت عليها خمسمائة سنة ومن الأرض إلى الأرض مسيرة خمس مئة سنة, وكثافتها خمس مئة سنة, حتى تمّ سبع أرضين, ثم من الأرض إلى السماء مسيرة خمس مئة سنة, وكثافتها خمس مئة سنة, والله على العرم متكئ, ثم تفطر السموات. ثم قال كعب: اقرءوا إن شئتم ( مِنْ فَوْقِهِنَّ).... الآية. وقوله: ( وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) يقول تعالى ذكره: والملائكة يصلون بطاعة ربهم وشكرهم له من هيبة جلاله وعظمته. كما حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثنا أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) قال: والملائكة يسبحون له من عظمته. "كفيلة تقوم الساعة".. مبروك عطية يعلق على واقعة نبش قبر سيد | مصراوى. وقوله: ( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ) يقول: ويسألون ربهم المغفرة لذنوب من في الأرض من أهل الإيمان به. كما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ) قال: للمؤمنين.
فنبرأ إلى الله ممن اعتقد هذه العقائد الفاسدة، ونبغضه في الله. وقد أخبرنا الله في كتابه أن لنا قدوة حسنة في إمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام والذين معه في براءتهم من الكفار ومعبوداتهم قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُون اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه). وقد أخبرنا الله أنه عدو للكافرين فقال تعالى: (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِين) أيصح أن يُقال: إن الله عدو للكافرين، وأما نحن فعلى الحياد لا نعادي من عادى الله ؟! تكاد السماوات يتفطرن منه. هذا غير صحيح إطلاقاً، والصواب: أننا أعداء لمن يعادي ربنا، كما نحن أعداء لمن يعادي أهلنا، بل عداوتنا لمن يعادي ربنا أشد. والواقع أن كثيراً من الناس في هذه المسألة طرفان ووسط. فطائفة: أهل غلو وعدم فهم لكتاب الله، حملهم بغض الكفار على ظلمهم، وسوء التعامل معهم، والاعتداء عليهم بغير حق.