أقول هذا -معشر المسلمين- مبيناً أثر الكلمة الطيبة، وأثر الرجال الخيرين، وأهل المعروف الذين يشعرون بالمسؤولية تجاه ربهم -عز وجل-، ثم تجاه عباد الله من الرأفة بهم ورعايتهم، ومظهراً حال المجتمع الذي تغلب فيه الكلمة الطيبة وتنتشر، من اجتماع كلمة أهله، والتقائهم على الخير، وبذل المعروف، والأمر به، والنهي عن المنكر في هذا المجتمع، ورد الظالم وردع السفيه والمغرض، وزجر المفسد، وقطع الطريق على الخبيث الذي يهدم ولا يبني، ويدمر ولا يعمر، هذا هو المجتمع الإسلامي المتعاون على البر والتقوى.
الخطبة الأولى: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبطاعته تطيب وتكثر البركات، وتعم الخيرات، أحمده سبحانه وأشكره. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد: فيا أيها المسلمون: ( اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71]. أثر الكلمة الطيبة على النفس. عباد الله: المجتمع الإسلامي مجتمع تحكمه شريعة الله -تعالى- وتعمل فيه نصوص القرآن والسنة، فتأمر وتنهى، وتقر وتنكر، إنه مجتمع تهذبت نفوس أفراده بدين الله، وخضعت فيه الرقاب لأمر الله، فهو مجتمع آمن مطمئن بدين الله، اجتمعت كلمة أهله، وحفظت فيه الكلمة، أو حفظ فيه حق الكلمة، وعلمت مدلولاتها، وأدرك المؤمنون خطورتها إذا خرجت معوجة، كما علموا وفائدتها ومنفعتها إذا قيلت خيّرة مستقيمة. وإن المجتمع الذي تنتشر فيه الكلمة الطيبة الناصحة، والمحبة للخير لهو مجتمع مستقر آمن، ترفرف عليه رايات السعادة والمودة، فذلك يشعر بعضه ببعض، فلا تكاد تبرز فيه ثغرة إلا تسابق الناس في هذا المجتمع لسدها، ولا ترفع فيه أفعى أو حيّة رأسها، تهم بأذية أحد إلا وانهال الناس عليها لقتلها، والتخلص منها، ليبقى الناس في مجتمعهم آمنين مطمئنين، وإذا كثر أهل المعروف، ومن يشعر بالمسؤولية في هذا المجتمع، فإن الناس سينعمون -بإذن الله- بكل خير، وإن كان في المجتمع من الطفيليات والفقاعات والزبد التي تبرز هنا وهناك فلا يضر هذا لضعف هذه الطفيليات أمام أهل الخير والمعروف.
– قال تعالى " إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ " صدق الله العظيم سورة الحج الأيات 23 و 24. قصص عن الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة | المرسال. – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " والكلمة الطيبة صدقة " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. – عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالًا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري. – عن عائشة رضي الله عنها قالت: أتى النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – أناسٌ من اليهود، فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، قال: " وعليكم "، قالت عائشة: قلت: بل عليكم السام والذَّام، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " يا عائشة، لا تكوني فاحشة "، فقالت: ما سمِعت ما قالوا؟ فقال: " أوليس قد ردَدت عليهم الذي قالوا، قلت: وعليكم "، وفي رواية أنه قال لها: " يا عائشة، فإن الله لا يحب الفحش والتفحُّش".
كن طليق الوجه بشوشا كما كان سيد الخلق اجمعين رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يعود الناس بابتسامة حلوة كان سهلا سمحا لينا دائم البشر يواجه الناس بابتسامة عريضة ويبادرهم بسلام، ولنا فيه إسوة حسنة منه نتعلم أدب التخاطب وعفة اللسان وكما قال عليه الصلاة والسلام "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء (رواه أحمد والترمذي وابن ماجة)، صدقني قل خيرا أو التزم الصمت ذاك أرحم بك وبغيرك، كن ذا أثر طيب يحيي النفس وهي تشارف على الموت كن اليد التي تمتد له حين يستلقي على ظهره معلنا عن استسلامه كن الدافع الدي يحثه على الاستمرار ومواصلة الطريق لا تكن أنت وذائقة الظروف عونا عليه.
فكم من شمل ممزَّق جمعت بينه كلمة طيبة، وكم من جماعات فرّقتهم كلمة خبيثة. وجرح السّنان لـه التِئَام ولا يلتئم ما جرح اللسان وقد توعّد الرسول خبيثَ اللسان بأن يكَبّ في النار. إن الكلمة الطيبة ثابتة مثمِرة، تنفع صاحبها في حياته الدنيا بالذكر الحسن، وتعود عليه بالدعاء الصالح في آخرته، فهي ثابِتة لا تزعزعها الأعاصير، ولا تعصف بها رياح الباطل، وفي الحديث: (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)). والخير كلّ الخير أن تحرّك لسانك بتحيّة الإسلام حين تلقَى من تعرف ومن لا تعرف، والخير كلّ الخير أن تردّ التحية بأحسن منها أو مثلها، والخير كل الخير أن تشغل لسانك بذكر خالقك وأن تنصح من استنصحك إن كنت قادرا، وكلمة الخير أن تصلح بين اثنين وأن ترشد الضال التائه، والكلمة الطيبة أن تعلّم جاهلا وأن تصدُق القول فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، والكلمة الطيبة أن تشير بالرأي الحسن إذا طلب منك ذلك. أما الكلمة الخبيثة فهي كلمة الباطل كشجرة خبيثة، قد يخيَّل لبعض الناس أحياناً أنها أضخم من الشجرة الطيبة، ولكن الخبث هو الخبث، والباطل هو الباطل، وجذور شجرة الخبث ليست عميقة، وما هي إلا فترة ثم تجتثّ من فوق الأرض ما لها من قرار ولا بقاء.