ومن أسباب الهداية المبادرة إلى طاعة الله تعالى عند دخول وقتها أو وجود مناسبتها أو الدعوة إليها أو العلم بها قال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [12] ، وقال سبحانه ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ [13]. أمة الإسلام: ومن أعظم أسباب الهداية الاسترجاع عند المصيبة والتسليم لله تعالى في قدره وقول الخير بمناسبته قال تعالى ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [14] وقال سبحانه ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [15]. أيها المؤمنون: ومن أسباب الهداية للحق إتباع القرآن والسنة والتمسك بها قال تعالى ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [16] ، ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [17] ، وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي».
فبين الله تبارك وتعالى أن أسباب إضلاله لمن ضل إنما هو بسبب من العبد نفسه ، والعبد لا يدرى ما قَدَّر الله تعالى له ، لأنه لا يعلم بالقدر إلا بعد وقوع المقدور. فهو لا يدري هل قدر الله له أن يكون ضالا أم أن يكون مهتديا ؟ فما باله يسلك طريق الضلال ، ثم يحتج بأن الله تعالى قد أراد له ذلك! وسائل مؤدية إلى الهداية - موضوع. أفلا يجدر به أن يسلك طريق الهداية ثم يقول: إن الله تعالى قد هداني للصراط المستقيم. أيجدر به أن يكون جبريا عند الضلالة ، وقدريا عند الطاعة! كلا ، لا يليق بالإنسان أن يكون جبريا عند الضلالة والمعصية ، فإذا ضل أو عصى الله قال: هذا أمر قد كُتب علي وقُدِّر علي ولا يمكنني أن أخرج عما قضى الله تعالى. فالإنسان في الحقيقة له قدرة وله اختيار ، وليس باب الهداية بأخفى من باب الرزق ، والإنسان كما هو معلوم لدى الجميع قد قُدِّر له ما قُدِّر من الرزق ، ومع ذلك هو يسعى في أسباب الرزق في بلده وخارج بلده يميناً وشمالاً ، لا يجلس في بيته ويقول: إن قُدِر لي رزق فإنه يأتيني ، بل يسعى في أسباب الزرق مع أن الرزق نفسه مقرون بالعمل ، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا الرزق أيضا مكتوب ، كما أن العمل من صالح أو سيئ مكتوب ، فما بالك تذهب يمينا وشمالاً وتجوب الأرض والفيافي طلباً لرزق الدنيا ، ولا تعمل عملا صالحا لطلب رزق الآخرة والفوز بدار النعيم!!
فعليكم بالدعاء، احرصوا عليه دائما، وعلى وجه الخصوص في أوقات الإجابة، أسأل الله أن يهدينا جميعا إلى صراطه المستقيم، وأن يثبتنا على دينه القويم، إنه جواد كريم. ثم صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين، فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل وعلا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
الإيمان بالله وكتبه ورسله والاعتقاد باليوم الآخر، والتصديق بالجنان، العمل بالأركان والجوارح، ونطق الإيمان باللسان، والتصديق والإيمان بكتب الله تعالى التي أنزلها على أنبيائه ورسله والإيمان بهم جميعاً. من اسباب الهداية الدعاء. التوبة الصادقة من المعاصي والذنوب حيث إن التوبة الصادقة لله تعالى مما يرتكبه العبد من المعاصي والخطايا والذنوب والإنابة إليه من الخطايا تجعل الله سبحانه يهدي العباد إلى سبيل الرشاد. جهاد الشيطان والنفس من خلال السعي والحرص على مجاهدة النفس والشيطان وأعداء الله جل وعلا، والعمل على تعلم علوم الدين والعمل بها، ونفع المسلمين ودعوتهم إليها، والصبر على الأذى به، في حين أن مجاهدة الشيطان تتم من خلال البعد عن الشهوات والشبهات والمحرمات مما يلقيه الشيطان في نفس المؤمنين من العباد. التفقه في الأحاديث الشريفة وسيرة النبي الكريم وذلك عبر البحث في فقه السنة وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وما تضمنته من أحكام وأوامر ووصايا، كما وفي قراءة الأحاديث النبوية والعمل بها مغفرة من الله وهدايةً منه للناس، والأمر كذلك لمن يقرأ في سير الصحابة رضي الله عنهم وحياتهم ومواقفهم. الحرص على حضور مجالس العلم إذ لا بد للعباد من أجل الفوز بالهداية والوصول إليها المواظبة على حضور مجالس العلم التي يعقدها علماء الإسلام، وكذلك الندوات والمحاضرات الدعوية التي يلقيها المصلحين والمشايخ والدعاة.
هكذا يفهم المسلم قضية الإيمان بالقضاء والقدر مع قضية العمل الذي كلف به الإنسان ، وترتب عليه سعادته أو شقاؤه ، فالهداية ودخول الجنة سببها العمل الصالح. قال الله تعالى عن أهل الجنة: ( وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الأعراف/43 ، وقال تعالى: ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) النحل/32. والضلال ودخول النار سببه العمل بمعصية الله والإعراض عن طاعته ، قال الله تعالى عن أهل النار: ( ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) يونس/52 ، وقال تعالى: ( وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) السجدة/14. وحينئذ يضع المسلم خطوته الأولى في الطريق الصحيح ، فلا يضيع لحظة واحدة بغير عمل أو سعي في طريق الله عز وجل ، وفي الوقت نفسه ، يتواضع لربه ، ويدرك أنه عز وجل بيده مقاليد السماوات والأرض ، فيستشعر الفقر إليه دائما وأبدا ، والحاجة إلى توفيقه وتسديده. من أسباب الهداية بيت العلم. نسأل الله تعالى أن يكتب لنا ولكم الهداية وأن يوفقنا لكل خير. والله أعلم.