الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فالمعنى الإجمالي: أي إذا أراد شيئًا فلا يُرَد، ولا يُمَانَع ولا يُخَالَف، بل هو الغالب لما سواه. قال سعيد بن جبير -رحمه الله- في قوله: { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:21]، أي: "فعال لما يشاء". وقوله: { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} يقول: "لا يدرون حكمته في خلقه، وتلطفه لما يريد" (انتهى من تفسير ابن كثير). والهاء في قوله: (أَمْرِهِ) فيها قولان: إما عائدة على الله تعالى، أو على يوسف -عليه السلام، ولا تعارض بينهما، فتأمل كيف حوت هذه الآية معاني جامعة في "سورة يوسف" خاصة، وفي كل أحوال الخلق عامة. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة يوسف - الآية 21. وتأمل كيف كان أول ما قال يعقوب لولده يوسف عليهما السلام: { يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} [يوسف:5]، فلم يقصص يوسف عليهم؛ فهو الولد المعلَّم الطائع، وهم ما حضروا قطعًا مجلس يوسف وأبيه، ولكن { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ}، كادوا له، ولم يغنِ حذر من قدر، فوقع ما كان يحذر يعقوب -عليه السلام! وتأمل كيف أرادوا بفعلتهم أن يخلو لهم وجه أبيهم، وينفردوا بمحبته، وينزعوا حب يوسف من قلبه، لكن { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ}، ظل يعقوب يحبه ويرجف قلبه بمحبته هو، حتى بعد فقد أخيه ما قال إلا: { يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف:84]!
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الشعراء:8-9) ، فهو تعالى العزيز الذي انتقم مِن أعدائه، والرحيم الذي رحم أوليائه وأنجاهم، وفي آخر السورة أمر نبيه -صلى الله عليهم وسلم- أن يتوكل على العزيز الرحيم فقال: ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) (الشعراء:217). وهكذا ينبغي لجميع العلماء والدعاة والمؤمنين أن يتوكلوا على العزيز الذي لا يغالب، ولا يمانع، والذي يعز أولياءه بطاعته، ويذل أعداءه بمعصيته، وأن يثقوا بوعده، ويوقنوا بأنه -تعالى- غالب على أمره. لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ – موقع اعجاز القرآن والسنة | الاعجاز العلمي في القرآن| معجزات القرآن |. - ومِن أمره -عز وجل- قوله: ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:32-33) ، ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف:8) ، ( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف:128). - وأن يدوروا مع أمر الله -تعالى- حيث دار، ولا يبالوا على ما أصبحوا أو أمسوا فإنه أمر ربهم تعالى؛ فيكونوا راضين به وعنه.
كثيرًا ما يريد الناس أمرًا ويريد الله أمرًا آخر، فيغلب الله تعالى الناس على أمره ويقهرهم على ما أراد وتتهيأ الظروف والأحوال ليقع أمر الله. وقد نزل هذا التعقيب في سياق قصة يوسف عليه السلام في لحظة لا تظهر فيها بوضوحٍ ما دبَّره الله ليوسف من تمكينه في الأرض. كثيرًا ما يريد الناس أمرًا ويريد الله أمرًا آخر، فيغلب الله تعالى الناس على أمره ويقهرهم على ما أراد وتتهيأ الظروف والأحوال ليقع أمر الله. وقد نزل هذا التعقيب في سياق قصة يوسف عليه السلام في لحظة لا تظهر فيها بوضوحٍ ما دبَّره الله ليوسف من تمكينه في الأرض. جاء هذا التعقيب بعد أن بِيع يوسف بَيع الرقيق لعزيز مصر ، وهذا في حدِّ ذاته لا يمثل نصرة كبيرة ليوسف أن ينتقل من يدِّ من وجدوه في البئر إلى أن يكون عبدًا في قصر عزيز مصر، ولكن يد الله تعالى تعمل وتُدبِّر وتوجه. إن أول تمكين ليوسف في الأرض لاحت بشائره أولًا بالتمكين في قلب عزيز مصر الذي قال لزوجته: { عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [القصص من الآية:9]. فقد توسَّم فيه نجابةً ودقة فهمٍ علاوةً على هيئته الجميلة ووسامته الفريدة. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} - محمد هشام راغب - طريق الإسلام. يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "أفرس الناس ثلاثة: عزيز مصر حين قال لامرأته: { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}، والمرأة التي قالت لأبيها: { يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ}[1]، وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما".
18950 - حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن محمد, قال: حدثنا أسباط, عن السدي, قال: انطُلِق بيوسف إلى مصر, فاشتراه العزيز ملك مصر, فانطلق به إلى بيته فقال لامرأته: (أكرمي مثْواه عسى أن ينفعنا أو نتخذهُ ولدًا). 18951 - حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن أبي عبيدة, عن عبد الله, قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين قال لامرأته: (أكرمي مثواه) ، والقوم فيه زاهدون ، وأبو بكر حين تفرَّس في عمر فاستخلفه ، والمرأة التي قالت: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ. * * * وقوله: (وكذلك مكنَّا ليوسف في الأرض) يقول عز وجل: وكما أنقذنا يوسف من أيدي إخوته وقد هموا بقتله, وأخرجناه من الجبّ بعدَ أن ألقي فيه, فصيرناه إلى الكرامة والمنـزلة الرفيعة عند عزيز مصر, كذلك مكنّا له في الأرض، فجعلناه على خزائنها. (44) * * * وقوله: (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) يقول تعالى ذكره: وكي نعلم يوسف من عبارة الرؤيا، (45) مكنا له في الأرض، كما: - 18952 - حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (من تأويل الأحاديث) قال: عبارة الرؤيا. 18953 - حدثنا الحسن بن محمد, قال: حدثنا شبابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
وقال الملك ليسدنا يوسف عليه السلام: (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ) [يوسف:54]. ولنتأمل كيف أراد الذين أخرجوا يوسف عليه السلام من الجب أن يبيعوه ليكون عبدًا لشخص ما فاشتراه عزيز مصر فكان قدره أن يعيش حياة الملوك وحياة أبناءهم. ولقد أرادو بفعل ذلك أن يهينوه، وعندما اشتراه عزيز مصر أخذه لزوجته وقال لها: أ{َكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [يوسف:2١]. وكان هذا تفسير: والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون هنا. ولنتأمل أيضًا قولهم: {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} [يوسف:9]، أي بمعنى تائبين، ولقد شاء الله سبحانه وتعالى أن ينسى إخوة يوسف الذنب الذي ارتكبوه. واصروا عليه إلى أن اعترفوا به ليوسف عليه السلام بعد سنين طويلة. ثم قالوا لأبيهم: {َيا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف:97]. فلنتأمل كيف أن امرأة العزيز كادت بيوسف عليه السلام. وأغلقت عليه الأبواب ولقد دعته في وقت غياب العزيز حتى لا يعرف أي شخص ما تنوي على فعله. ولتبعد الشك عنه وعن جميع الناس، ولكن (والله غالب على أمره) كُشف السر. وعرف الجميع بفعلة امرأة العزيز.
وثانيها: أن يقال الروح قديمة أو حادثة. وثالثها: أن يقال الأرواح هل تبقى بعد موت الأجسام أو تفنى. ورابعها: أن يقال ما حقيقة سعادة الأرواح وشقاوتها ، وبالجملة فالمباحث المتعلقة بالروح كثيرة ، وقوله: ( ويسألونك عن الروح) ليس فيه ما يدل على أنهم عن هذه المسائل سألوا أو عن غيرها إلا أنه تعالى ذكر له في الجواب عن هذا السؤال قوله: ( قل الروح من أمر ربي) وهذا الجواب لا يليق إلا بمسألتين من المسائل التي ذكرناها: إحداهما: السؤال عن ماهية الروح والثانية عن قدمها وحدوثها.
لما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الروح أمهل السائل حتى يأتيه الوحي فإذا بالقرآن يجيب.. ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً (الإسراء: 85). ومعنى ذلك أن الروح أمر يصعب على البشر أن يفهموه لأنه أكبر من علمهم وعقولهم ومهما أوتي الإنسان من العلم فلن يفهم حقيقة الروح، وهذا هو السر في هذا الرد المقتضب حتى لا يقع الناس في البلبلة والظنون وينشغلوا عن الدعوة الجديدة بأمور فلسفية. وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الرد معناه نهي المسلمين عن الدراسة والعلم حول هذه القضية بينما ذهبت الأكثرية الى أن هذه الآية لم تقل (قل الروح من علم ربي) بل نصت: (من أمر ربي) والفارق بينهما كبير وواضح ومن هنا فلم يتوقف علماء المسلمين عن الكتابة والدراسة في هذا الموضوع من ذلك كتاب (الروح) وكتاب (الروح لابن القيم) وعشرات الكتب على مر العصور. وقد صور كل من الإمامين الغزالي (ت505 ه)، والقشيري (ت465ه)، الروح بصفة اللطافة، ومثلوا لها بأعيان لطيفة، وأنها محل للعلوم، والإدراكات. ووجه لطافتها ناتج عن كونها مفارقة لعالم الحس، وشبيهة بعالم المخلوقات اللطيفة كالملائكة من حيث المغايرة لعالم المادة، وهذا ما جعلها تتميز بصفاء المواصلات الإدراكية المتعلقة بنوع عالمها.
حكى ذلك الطبري - رحمه الله - وقد قيل: إن السائلين عن الروح هم قريش ، قالت لهم اليهود: سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فإن أخبركم عن اثنين وأمسك عن واحدة فهو نبي; فأخبرهم خبر أصحاب الكهف وخبر ذي القرنين على ما يأتي. وقال في الروح: قل الروح من أمر ربي أي من الأمر الذي لا يعلمه إلا الله. ذكره المهدوي وغيره من المفسرين عن ابن عباس.
وأن يكون خطاباً للمسلمين. والمراد بالعلم هنا المعلوم ، أي ما شأنه أن يعلم أو من معلومات الله. ووصفه بالقليل بالنسبة إلى ما من شأنه أن يعلم من الموجودات والحقائق. وفي «جامع الترمذي» قالوا ( أي اليهود): «أوتينا علماً كثيراً التوراةَ ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً ، فأنزلت: { قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي} الآية [ الكهف: 109]. وأوضح من هذا ما رواه الطبري عن عطاء بن يسار قال: نزلت بمكة وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه أحبار يهود فقالوا: يا محمد ألم يبلغنا أنك تقول: { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} ، أفعنيتنا أم قومَك؟ قال: كُلاّ قد عنيت. قالوا: فإنك تتلو أنا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء. فقال رسول الله: هي في علم الله قليل ، وقد آتاكم ما إن عملتم به انتفعتم. فأنزل الله { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم} [ لقمان: 27]. هذا ، والذين حاولوا تقريب شرح ماهية الروح من الفلاسفة والمتشرعين بواسطة القول الشارح لم يأتوا إلا برسوم ناقصة مأخوذة فيها الأجناس البعيدة والخواص التقريبية غير المنضبطة وتحكيم الآثار التي بعضها حقيقي وبعضها خيالي ، وكلها متفاوتة في القرب من شرح خاصاته وأماراته بحسب تفاوت تصوراتهم لماهيته المبنيات على تفاوت قوى مداركهم وكلها لا تعدو أن تكون رسوماً خيالية وشعرية معبرة عن آثار الروح في الإنسان.
ويحس دبيب الرحمة يمسح على فؤاده وبلطف الله الخفي يحتويه..! تلك هي لحظات الاستغراق الروحية ، والتبتل العميق الذي يمتزج فيه الإنسان بالكون ليصبحا كياناً واحداً..!! وقد تمر تلك اللحظات الروحية على بعضنا.. وتتفاوت بين إنسان وآخر في درجة عمقها وشفافيتها.. لكنها لحظات سعادة حقيقية.. تعشقها الروح ، وتتعلق بها ، لأنها تنزع عنا ثوب الدنيا وتشرع لنا نافذة تطل على مرائي الخلد التي تترقبها الروح بشغف ، وتحلم بسكناها..! ابن تيمية ~ ولشيخ الإسلام ابن تيمية قول بهذا الشأن وهو: أن الإنسان عبارة عن البدن والروح مَعاً ، بل هو بالروح أخص منه بالبدن ، وإنما البدن مَطية للروح.. ولاتزال الخصومة يوم القيامة بين الخلق حتى تختصم الروح والبدن ، فتقول الروح للبدن:أنتَ عَملتَ السّيئات!! فيقول البدن للروح: أنتِ أمرتني!! فيبعث الله ملكاً يقضي بينهما فيقول: إنما مثلكما كمثل مُقعد وأعمَى ، دخلا بستاناً ، فرأى المقعد فيه ثمراً معلقاً، ْ فقال للأعمَى: إني أرى ثمراً ، ولكنّي لا أستطيع النهوض إليه! فقَال الأعمَى: ولكنّي أستطَيع النُهوض إليّه ولكنِّي لا أرَاه, فقال المُقعد: تعال فأحملني حتى أقطفه ، فحمله فجعل يأمره فيسير به إلى حيث يشاء حتى يقطع الثِّمار.
والمعنى: "إنَّ عِلمكم في علم الله قليل، وهذا الذي تسألون عنه -مِن أمر الروح- مما استأثر به تعالى، ولم يطلعكم عليه، كما أنه لم يطلعكم إلا على القليل من علمه تعالى".