ونظيره أن يريك الزراد زبرة من حديد - أى قطعة من حديد - ويقول لك: ما هى؟ فتقول: زبرة حديد. ثم يريك بعد أيام لبوسا مسردا فيقول لك: هى تلك الزبرة صيرتها إلى ما ترى من عجيب الصنعة ، وأنيق السرد... والآية الكريمة: شروع فى بيان ما كلف الله - تعالى - به عبده موسى - عليه السلام - من الأمور المتعلقة بالخلق ، إثر حكاية ما أمر - سبحانه - به موسى من إخلاص العبادة له ، والإيمان بالساعة وما فيها من حساب وثواب وعقاب. البغوى: قوله عز وجل: ( وما تلك بيمينك يا موسى) سؤال تقرير ، والحكمة في هذا السؤال: تنبيهه وتوقيفه على أنها عصا حتى إذا قلبها حية علم أنه معجزة عظيمة. وهذا على عادة العرب ، يقول الرجل لغيره: هل تعرف هذا؟ وهو لا يشك أنه يعرفه ، ويريد أن ينضم إقراره بلسانه إلى معرفته بقلبه. وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى. ابن كثير: هذا برهان من الله تعالى لموسى ، عليه السلام ، ومعجزة عظيمة ، وخرق للعادة باهر ، دال على أنه لا يقدر على مثل هذا إلا الله عز وجل ، وأنه لا يأتي به إلا نبي مرسل ، وقوله: ( وما تلك بيمينك يا موسى) قال بعض المفسرين: إنما قال له ذلك على سبيل الإيناس له. وقيل: إنما قال له ذلك على وجه التقرير ، أي: أما هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها ، فسترى ما نصنع بها الآن ، ( وما تلك بيمينك يا موسى) استفهام تقرير.
فالِاسْتِفْهامُ مُسْتَعْمَلٌ في تَحْقِيقِ حَقِيقَةِ المَسْئُولِ عَنْهُ. والقَصْدُ مِن ذَلِكَ زِيادَةُ اطْمِئْنانِ قَلْبِهِ بِأنَّهُ في مَقامِ الِاصْطِفاءِ، وأنَّ الكَلامَ الَّذِي سَمِعَهُ كَلامٌ مِن قِبَلِ اللَّهِ بِدُونِ واسِطَةِ مُتَكَلِّمٍ مُعْتادٍ ولا في صُورَةِ المُعْتادِ، كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ (﴿لِنُرِيَكَ مِن آياتِنا الكُبْرى﴾ [طه: ٢٣]). تفسير قوله تعالى: وما تلك بيمينك ياموسى. فَظاهِرُ الِاسْتِفْهامِ أنَّهُ سُؤالٌ عَنْ شَيْءٍ أُشِيرَ إلَيْهِ، وبُيِّنَتِ الإشارَةُ بِالظَّرْفِ المُسْتَقِرِّ وهو قَوْلُهُ بِيَمِينِكَ، ووَقَعَ الظَّرْفُ حالًا مِنِ اسْمِ الإشارَةِ، أيْ ما تِلْكَ حالُ كَوْنِها بِيَمِينِكَ ؟. فَفِي هَذا إيماءٌ إلى أنَّ السُّؤالَ عَنْ أمْرٍ غَرِيبٍ في شَأْنِها، ولِذَلِكَ أجابَ مُوسى عَنْ هَذا الِاسْتِفْهامِ بِبَيانِ ماهِيَّةِ المَسْئُولِ عَنْهُ جَرْيًا عَلى الظّاهِرِ، وبِبَيانِ بَعْضِ مَنافِعِها اسْتِقْصاءً لِمُرادِ السّائِلِ أنْ يَكُونَ قَدْ سَألَ عَنْ وجْهِ اتِّخاذِهِ العَصا بِيَدِهِ لِأنَّ شَأْنَ الواضِحاتِ أنْ لا يُسْألَ عَنْها إلّا والسّائِلُ يُرِيدُ مِن سُؤالِهِ أمْرًا غَيْرَ ظاهِرٍ، ولِذَلِكَ لَمّا قالَ النَّبِيءُ ﷺ في خُطْبَةِ حَجَّةِ الوَداعِ: أيُّ يَوْمٍ هَذا ؟ سَكَتَ النّاسُ وظَنُّوا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ.
ذات صلة عدد معجزات موسى عليه السلام ما هي معجزات سيدنا عيسى ما هي معجزات سيدنا موسى العصا التي تنقلب إلى حية أيدَّ الله -تعالى- نبيه موسى -عليه السلام- بعدد من المعجزات وكان منها معجزة العصا التي تمثلت في عِدّة أمور منها: [١] انقلاب عصا موسى إلى حية عندما يلقيها، ورجوعها عصا إذا أخذها بيده. وما تلك بيمينك يا موسى. أكلها لِما ألقاه السحرة من الحبال. فلقها للبحر عندما ضربه بها بإذن الله. تفجيرها للماء من الحجر الذي يُضرَب فيها، وهناك أمور أخرى تميزت بها هذه العصا ذكرها بعض المفسرون لكنهَّا لم تثبت.
ويروى نجوت في مكان: أمنت ( اللسان: عدس). وهذا: اسم إشارة ، وقد وصل بجملة تحملين ، فصار من الأسماء الموصولة في قول بعض النحويين. هذا: مبتدأ وجملة تحملين: صلة ؛ وطليق: خبر المبتدأ. أي والذي تحملينه طليق ، ليس لأحد عليه سلطان.
قلت: وفي مشيته كما قال بعضهم: قد كنت أمشي على رجلين معتمدا فصرت أمشي على أخرى من الخشب قال مالك - رحمه الله ورضي عنه -: وقد كان الناس إذا جاءهم المطر خرجوا بالعصي يتوكئون عليها ، حتى لقد كان الشباب يحبسون عصيهم ، وربما أخذ ربيعة العصا من بعض من يجلس إليه حتى يقوم. ومن منافع العصا ضرب الرجل نساءه بها فيما يصلحهم ، ويصلح حاله وحالهم معه. ومنه قوله - عليه السلام -: وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه في إحدى الروايات. وقد روي عنه - عليه السلام - أنه قال لرجل أوصاه: لا ترفع عصاك عن أهلك أخفهم في الله رواه عبادة بن الصامت ؛ خرجه النسائي. ومن هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: علق سوطك حيث يراه أهلك وقد تقدم هذا في ( النساء). وما تلك بيمينك ياموسى قال هي عصاي. ومن فوائدها التنبيه على الانتقال من هذه الدار ؛ كما قيل لبعض الزهاد: ما لك تمشي على عصا ولست بكبير ولا مريض ؟ قال إني أعلم أني مسافر ، وأنها دار قلعة ، وأن العصا من آلة السفر ؛ فأخذه بعض الشعراء فقال: [ ص: 110] حملت العصا لا الضعف أوجب حملها علي ولا أني تحنيت من كبر ولكنني ألزمت نفسي حملها لأعلمها أن المقيم على سفر
ذكر الله تعالى على لسان موسى بعض فوائد العصا، ولم يستقص سائر فوائدها. وللعرب كلام لطيف في (العصا)، وحكم كثيرة، مما دفع الجاحظ إلى تأليف كتاب كامل سماه (كتاب العصا). قال أبو نواس في شأن أهل مصر حين أوضعوا بالفتنة: فإن يك باق إفك فرعون فيكم ** فإن عصا موسى بكفّ خصيب وأورد الجاحظ قصة (عامر بن الظرب) حكيم العرب في الجاهلية، أنه لما أسنّ، وكانت له بنت من الحكمة بمكان، حتى جاوزت حكمتها (صحر بنت لقمان، وهند بنت الحسن، وخمعة بنت حابس). فكان يطلب إلى بنته، إذا سمعته جاوز في حكمه، أن تقرع له بالعصا، ليعدل عما هو فيه. وقال الحارث بن وعلة: وزعمتم أن لا حلوم لنا ** إن العصا قرعت لذي حلم وقال الفرزدق: فإن كنت إنساني حلوم مجاشع ** فإن العصا كانت لذي الحلم تقرع وقال المضرس الأسدي: وألقت عصاها واستقر بها النوى وقال سويد بن كراع الكلي: فمن مبلغ رأس العصا ان بيننا ** ضغائن لا تنسى وان قدم الدهر. إعراب الآيات (19- 20): {قالَ أَلْقِها يا مُوسى (19) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (20)}. الإعراب: (ألقها) فعل أمر مبنيّ على حذف حرف العلّة، والفاعل أنت الفاء عاطفة في الموضعين (إذا) فجائية (تسعى) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف، والفاعل هي.