دخل خزيمة على زوجته فرحا، وقال لها أبشري قد فرج الله علينا. سدد خزيمة ديونه ثم انطلق إلى مجلس الخليفة سليمان بن عبدالملك فلما سأله الخليفة عن حاله حكى له قصته وقال له من أنهضك من عثرتك فحكى له وعينه على منطقة الجزيرة واليا. فحاسب عكرمة وكان عكرمة الوالي فأصبح عليه من الديون الكثير. هذا جزاء جابر عثرات الكرام؟ فقال خزيمة واسوأتاه وأقبل عليه يسترضيه. وذهبا إلى الخليفة فأعطاه مبلغا من المال وعينه الخليفة واليا مع خزيمة واستمرا طيلة خلافة عبدالملك وانتهت قصة جابر عثرات الكرام.
إقرأ أيضاً: وعده الرسول ﷺ بسواري كسرى.. قصّة إسلام الصحابي سراقة بن مالك وحكايته الصحابي مع عمر بن الخطاب فحزن "خزيمة" حزناً شديداً وضاقت به الأرض بما رحبت، فأسر لزوجته أنه لم يعد يحتمل أن يعيش وسط نظرات الشفقة التي تحوم حوله من كافة الجوانب، فاجتنب جميع الناس، واعتزلهم مغلقاً بابه دون أن يتحدث إلى أحد. في تلك الأثناء كان عكرمة الربعي والياً على الجزيرة، وكان يطلق عليه اسم "عكرمة الفياض" لكثره كرمه وجوده وشهامته، وبالصدفة وهو في مجلسه ذكرت أمامه قصة خزيمة بن بشر، فسأل عكرمة عن حاله، فأخبروه ما جرى له وما آل إليه. كرم عكرمة يفيض على خزيمة بعد أن عرف عكرمة خزيمة بن بشر، أمر أن توضع 4 آلاف دينار في كيس واحد، وانتطر حتى حل المساء، فقام بإخراج دابته دون أن يعلم أحد. واتجه قاصداً بيت خزيمة إلى أن وصل إليه، فقرع باب منزله، فخرج خزيمة فأعطاه الكيس وقال له: "أصلح به شأنك". إقرأ أيضاً: ليبي بثياب دمشقية.. أدى قوالب متنوعة لشخصية واحدة.. قصة الفنان الليبي ياسين بقوش الذي أصبح سوري اللسان والفن والمصير فرد عليه خزيمة: من أنت جعلت فداك؟ فأجابه أنا عكرمة لو كنت أريدك أن تعرفني لما جئتك في وقت متأخر من الليل، فقال خزيمة: لن أقبل به حتى أعرف من أنت، قال عكرمة: أنا جابر عثرات الكرام، ثم غادر مسرعاً عائداً إلى بيته.
فقالَ الفياض: فما وجدَ "خزيمة بن بشر" مواسيًا ولا مكافئاً؟! قالوا: لا، فأمسك. ثمّ لما كانَ الليل عمِدَ إلى أربعةِ آلاف دينار ، فجعلها في كيسٍ واحد، ثم أمرَ بإسراجِ دابته، وخرجَ سرًّا من أهله، فركبَ ومعه غُلام من غُلمانه يحملُ المال، ثم سارَ حتى وقفَ على بابِ خزيمة، وأخذ الكيسَ من الغُلام، ثم أبعدهُ عنه. فخرجَ إليه خُزيمة، فناولهُ الكيس، وقالَ: أصلح بهذا شأنكَ ، فتناولهُ فرآه ثقيلًا، فوضعهُ، ثمّ أمسكَ بلجامِ الدابّة وقال له: من أنتَ جُعلت فداك؟ فقالَ: يا هذا؛ ما جئتُكَ في هذه الساعة وأنا أريدُ أن تعرفني. قال خزيمة: فما أقبلُهُ أو تُعرفني من أنت. قال: أنا جابر عثراتِ الكرام. قال خزيمة: زدني. قال: لا مزيد، ثم مضى. دخلَ خُزيمة بالكيسِ إلى امرأته فقالَ لها: أبشري فقد أتى الله بالفرجِ والخير، ولو كانَ هذا فلوسًا فهو كثير، قومي فأسرجي، قالت: لا سبيلَ إلى السراج، فباتَ يلمسها، فيجدُ خشونة الدنانير ولا يصدق! أما عَكرمة فرجعَ إلى منزلهِ، فوجدَ امرأتهُ قد افتقدته ، وسألت عنه، فأُخبرت بركوبِه منفردًا، فارتابت، فشقت جيبها، ولطمت خدّها، فلما رآها على تلك الحال قال لها: ما دهاك؟ قالت: يا ابن عمي؛ غدرت؟ قال: وما ذاك؟ قالت: أميرُ الجزيرةِ يخرجُ بعد هدوءٍ من الليل مُنفردًا عن غلمانه، في سر من أهله، إلا إلى زوجة أو سريّة؟ قال: لقد علِمَ الله ما خرجتُ إلى واحدة منهما.
قال: مالي إلى شيء منها سبيلًا. قال: لا بدّ منها. قال: ما هي عندي، فاصنع ما أنت صانع. فأمر به إلى الحبس، ثم بعث إليه يطالبه، فأرسل إليه: لست ممن يصون ماله بعرضه، فاصنع ما شئت. فأمر به فقيد، وضُيّق عليه شهرًا أو أكثر، فأضناه ذلك وأضرّه. خروج عكرمة الفياض من السجن بلغ ابنة عمّه ضُرُّهُ فجزعت واغتمت لذلك ، ثم دعت مولاة لها ذات عقل، فقالت: امضي الساعة إلى باب هذا الأمير خزيمة بن بشر، فإذا دخلت عليه فسليه أن يُخليك، فإذا فعل فقولي له: ما كان هذا جزاء "جابر عثرات الكرام" منك أن كافأته بالحبس والضيق والحديد. ففعلت ذلك. فلما سمع خزيمة قولها قال: واسوءتاه، وإنه لهو؟ قالت: نعم، فأمر من وقته بدابته فأسرجت، وقام خزيمة ومن معه، فلقي عكرمة في قاعة الحبس متغيراً، قد أضناه الضير، فلما نظر إليه عكرمة وإلى الناس أحشمه ذلك، فنكس رأسه إليه وقال: وما أعقب هذا منك؟ قال: كريم فعالك، وسوء مُكافأتي. قال: يغفر الله لنا ولك. ثم أمر بالحديد ففك القيد عنه، وأمر خزيمة بوضعه في رجله بنفسه ، فقال عكرمة: ماذا تريد؟ قال: أريد أن ينالني الضرّ مثل ما نالك. فقال: أقسم عليك بالله ألا تفعل. فخرجا إلى أن وصلا دار خزيمة، فودّعه عكرمة وأراد الانصراف.
جابر عثرات الكرام، هي قصة تدور أحداثها بين عكرمة الفياض وخزيمة بن بشر، وهي قصة عن المروءة والجود والكرم، تم ذكرها في كتاب " المستجاد من فعلات الأجياد " للقاضي التنوخي البصري أبو علي المتوفى في ٣٨٤هـ، محنة خزيمة بن بشر: خزيمة بن بشر هو أحد الرجال الذين عاشوا في أيام سليمان ابن عبدالملك وكان يتصف ب الكرم والمرؤة، فلم يرد سائلًا قط، ولا محتاج، ولكن تعرض لمحنة كبيرة بأن نفد ماله، وكثرت ديونه، فلما عرف إخوانه ما حل به، واسوه فترة ثم تركوه ولم يسألوا عليه، حتى حزن وضاقت نفسه، فأخبر زوجته بأنه لا يستطيع أن يعيش على نظرات الشفقة التي تحيط به من كل جانب، فأغلق عليه بابه وعمد على ألا يكلم أحد. وكان عكرمة الربعي واليًا على الجزيرة في ذلك الوقت وقد أطلق عليه عكرمة الفياض لشدة جوده وكرمه، وبينما هو في مجلسه إذا جرى ذكر خزيمة بن بشر، فسأل عكرمة عن حاله، فأخبروه ما حل به وما آل إليه. كريم يجود على كريم: حينما علم عكرمة أمر بشر بن خزيمة أمر بأربعة ألاف دينار أن توضع في كيس واحد، وانتظر حتى حل الليل، فأخرج دابته دون أن يشعر به أحد، واتجه إلى بيت خزيمة حتى وصله، فدق الباب فخرج إليه خزيمة فناوله الكيس وقال له: أصلح به شأنك، فقال له خزيمة: من أنت جعلت فداك؟ قال عكرمة، لو كنت أريدك أن تعرفني لما جئتك في هذا الوقت، قال خزيمة: لن أقبل به حتى تخبرني، قال عكرمة: أنا جابر عثرات الكرام، ثم انطلق في طريقه عائدًا.