أما إذا فهم قوله: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً) على أنه دعوة إلى الرغبة في الدنيا والتشبث بها ، والحرص على ما فيها من ملذات وشهوات ، فهذا فهم مردود ، لا تأتي بمثله الشريعة ، وإنما تأتي دائما بالترغيب في الآخرة ، واتخاذ الدنيا مزرعة وسبيلا إليها. والله أعلم.
السؤال: رسالة من الدوادمي السائلة م. ع. ج تقول في السؤال الأول: تستفسر عن معنى الحديث: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً.
لا تعمل لدنياك، ولكن "اعمل في (دنياك) (لآخرتك) كأنما تعيش أبدًا. اشتهر على الألسنة القول (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا)، وهذا القول ليس بحديث، ولم يصح سندًا، حسب علمي نِسْبَته إلى أحد الصحابة ، ولكن العامة يعدونه إما حديثًا شريفًا، أو قولًا حكيمًا. ويقولون لك "الحكمة ضالة المؤمن"، هل المقولة صحيحة؟ لنختبر هذا القول "اعمل لـــ"، عندما نعمل لشيء ما فإنما نعمل ابتغاء الحصول على هذا الشيء، فهل من الصحيح أن نعمل للدنيا؟ بحيث تكون الدنيا غايتنا؟! قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، وهذه الآية الكريمة تحدد وظيفتنا في الحياة؛ وهي العبادة، وهل العمل لبلوغ الدنيا (كغاية) من العبادة؟! ولكن الله تعالى فسر لنا مراده منا في الدنيا بقوله: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162]. إن هذه الآية حددت غاية نبي الله إبراهيم؛ وهى رضا الله رب العالمين، والمتميز في هذا النص أنه يحل المعضلة؛ المعضلة التي ربما ثارت في عقول القارئين، ألا نعمل لدنيانا؟ أنصلي ونصوم ونحج فقط؟ وكيف هذا وقد أمرنا الله بالسعي في طلب الرزق ؟ نص الآية الكريمة يجيب جوابًا بديعًا على هذه المعضلة؛ إنه يرسخ مبدأً جديدًا وأصيلًا في الآن ذاته، فقد قررت الآية أن الدنيا ذاتها يجب أن تكون لله، وذلك لأن المحيا هو الدنيا، وعليه فإن عملنا لا يكون للدنيا، بل يكون في الدنيا لبلوغ الآخرة بأمان، ودخول الجنة ، والنجاة من النار.
تاريخ النشر: الأحد 18 محرم 1423 هـ - 31-3-2002 م التقييم: رقم الفتوى: 14866 51819 0 277 السؤال الرجاء شرح مقولة سيدنا علي: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالراجح في معنى هذا القول -والله أعلم- أن الإنسان يخطط لأمور الدنيا تخطيطاً بعيد النظر، فلا يقدم الحلول لمشاكله في الدنيا لمجرد التخلص منها في هذا اليوم، وإنما يفعل ذلك لسنين عديدة، وآماد بعيدة، لأن التخطيط الوقتي سرعان ما يحتاج إلى التغيير مرة أخرى، وهكذا. وأمور الآخرة تكون في قلب العبد حاضرة، فيداوم عليها ويسارع في أدائها في أوقاتها، لأنه يخشى أن يموت قريباً فيلقى الله بالتقصير والتفريط، وقد عبر عن قرب الموت بكلمة (غدا) كما عبر الله عن يوم القيامة كذلك، فقال: (ولتنظر نفس ما قدمت لغد). وكأنه يريد أن يقول: السعي للدنيا لا ينافي السعي للآخرة، بشرط أن يعرف المرء حد كل واحدة منهما ولا يُطغي واحدة على واحدة، وأن العبد مطلوب منه الاجتهاد وعدم التواني، فهو إما في أمر الآخرة، وإما في أمر الدنيا، ولا يكن كالبطالين الذين هم ليسوا من هؤلاء ولا من هؤلاء، ولا يكن من أهل الدنيا فقط لأن أهل الدنيا فقط ليس لهم في الآخرة من نصيب، وهذه هي نظرة الإسلام الوسطية للدنيا والآخرة.
ثم رفعت الطشت واتكئ صلوات الله عليه فقلت: عظني يا بن رسول الله. قال: نعم، استعد لسفرك، وحصل زادك قبل حلول أجلك، واعلم أنه تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا كمل يومك الذي له باب على لومك الذي أنت فيه. واعلم أنك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلا كنت فيه خازنا لغيرك، واعلم أن في حلالها حسابا وحرامها عقابا وفي الشبهات عتاب، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة، خذ منها ما يكفيك ، فإن كان ذلك حلالا كنت قد زهدت فيها وإن كان حراما لم تكن قد أخذت من الميتة، وإن كان العتاب فإن العقاب يسير. واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)).
إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا- علي بن أبي طالب | Arabic quotes, Quotes, Save
ودمتم في رعاية الله