السؤال: هل يشرع الإتيان بحمد الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم في الدعاء بعد التشهد ؟ الإجابة: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
دعاء بعد التشهد الأخير في الصلاة - YouTube
وأوضح من هذا ما ذكره الشيخ عبدالرحمن بن سعدي -رحمه الله- من أنَّ المقدّم والمؤخّر هذا كلّه يدخل فيه أنَّ الله تعالى مُقدِّمٌ لمن شاء، ومُؤخِّرٌ مَن شاء، بحكمته، وأنَّ هذا التَّقديم، وكذلك التَّأخير يكون كونيًّا؛ يعني: بحكمه وقضائه الكوني: كتقديم بعض المخلوقات على بعضٍ، وتأخير بعضها على بعضٍ، وتقديم الأسباب على المسببات، والشُّروط على المشروطات، وأنواع التَّقديم والتَّأخير في الخلق والتَّقدير المتنوعة، وهي بحرٌ لا ساحلَ له. ويكون شرعيًّا: كما فضّل الأنبياء على الخلق، وفضّل بعضَهم على بعضٍ، وفضّل بعضَ عباده على بعضٍ، وقدَّمهم في العلم، والإيمان، والعمل، والأخلاق، وسائر الأوصاف، وأخَّر مَن أخَّر منهم بشيءٍ من ذلك، كلّ هذا تبعًا لحكمته [5] ، فهذا كلّه داخلٌ فيه. وقد عدَّ الخطَّابيُّ والشيخ عبدالرحمن بن سعدي -رحمه الله- وجماعة هذان الاسمان من أسماء الله -تبارك وتعالى-، وأنَّهما يتضمّنان أوصافًا ذاتيةً؛ لكونهما قائمين بالله تعالى، وأنَّ الله مُتَّصفٌ بذلك، وكذلك من صفات الأفعال؛ لأنَّ التَّقديم والتَّأخير مُتعلِّقٌ بالمخلوقات: ذواتها، وأفعالها، ومعانيها، وأوصافها. الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل السلام. وهي ناشئةٌ عن إرادة الله وقُدرته [6] ، فعدُّوا هذا من الأسماء الحسنى المزدوجة؛ يعني: التي تُقال معًا، يُقال: الله هو المقدِّم والمؤخِّر: أنت المقدِّم، وأنت المؤخِّر يعني: لا يُقال على سبيل الإفراد: الله المقدِّم، أو يُقال: عبد المقدِّم، أو عبد المؤخِّر، وإنما يُقال: الله هو المقدِّم، والمؤخِّر، كما يُقال: الخافض، الرافع، الأول، الآخر، ونحو ذلك عند مَن عدَّ هذا من قبيل الأسماء، قالوا: الأسماء المزدوجة تُذكر مُقترنةً، وأنَّ الكمالَ في اقترانها.
وهذا ذكره جمعٌ من أهل العلم. وقد ورد في حديثٍ سرد الأسماء الحسنى، ونحن عرفنا في مقدّمة الكلام على الأسماء الحسنى أنَّ الحديثَ في أصله ثابتٌ، لا مطعنَ فيه، ولكن سرد الأسماء لا يصحّ في جميع رواياته: عند الترمذي من طريق الوليد بن مسلم، وابن حبان، وابن خُزيمة، والطَّبراني، والبيهقي، ورد هذان الاسمان، مع أنَّهما لم يردا في بعض طرق الحديث التي في سرد الأسماء [7]. الدعاء بعد التشهد الأخير - الشيخ صالح المغامسي - YouTube. وذكرتُ لكم الرِّوايات من قبل في مُقدِّمات الأسماء الحسنى، لكن ممن عدَّهما من الأسماء الحسنى -كما قلتُ-: الخطَّابي [8] ، كذلك الحليمي [9] والبيهقي [10] ؛ لأنَّ البيهقي أصلاً ضمّن كتاب الحليمي "المنهاج في شعب الإيمان" المطبوع في ثلاث مجلدات، ضمّنه في كتابه الكبير "الجامع لشُعب الإيمان"، وكذلك أيضًا ابن حزم [11] ، وابن العربي [12] ، والقرطبي، والحافظ ابن القيم [13] ، ومن المعاصرين: الشيخ محمد الصَّالح العُثيمين [14] ، والشيخ سعيد بن وهف القحطاني [15]. وكنتُ ذكرتُ لكم من قبل: أنَّ الشيخ سعيد بن وهف في هذا الكتاب قرأ الأسماء -وليس الشّرح- على سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-، فهذه مزيّة مهمّة في الكتاب؛ يعني: أنَّ الأسماء المذكورة فيه قُرئت على سماحة الشيخ، وأقرَّها.
انظر: "المحلى بالآثار" (6/282). انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (2/349). انظر: "بدائع الفوائد" لابن القيم (2/249). انظر: "مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين" (3/278). انظر: "شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة" لابن وهف القحطاني (ص98). انظر: "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (5/236-237). انظر: "جلاء الأفهام" لابن القيم (4/131).
فهذا لا يُقال في حقِّ النبي ﷺ، حاشاه، لكن في حقِّ غيره حينما يقول الإنسانُ: اللهم اغفر لي ما قدَّمتُ، وما أخَّرتُ ، فبعض أهل العلم يقول: ما يبقى بعد موته. فهنا أنت المقدّم يعني: بعض العباد إليك بالتَّوفيق بالطَّاعات، وأنت المؤخِّر لبعضهم بالخذلان -نسأل الله العافية-، فيجتبي مَن يشاء، ويخذل مَن يشاء، هذا احتمالٌ. دعاء بعد التشهد الأخير في الصلاة - YouTube. أو أنت لمن شئتَ في مراتب الكمال تصطفي، وأنت المؤخِّر لمن شئتَ عن معالي الأمور؛ فيشتغل في الدَّنايا. وقد قيل: إذا أردتَ أن تعرف منزلتَك عنده؛ فانظر في ماذا استعملك؟ شغَّالٌ في ماذا؟ هذه الأنفاس تقضيها في ماذا؟ اهتماماتك ما هي؟ إذا أردتَ أن تعرف منزلتَك عند الله في ماذا سخّرتَ؟ إلى أي شيءٍ تتجه نفسك، ويُقبل قلبك، وتعمل جوارحك؟ فهنا الله يُقدِّم مَن يشاء، يصطفيه للأعمال الفاضلة، ويُؤخِّر مَن يشاء فيخذلهم؛ فيشتغلون في سفاسف الأمور ودناياها. وهكذا قول مَن قال: أنت الرَّافع، والخافض، والمعزّ، والمذلّ ، وهكذا قول الخطَّابي -رحمه الله-: أنَّه المنزّل للأشياء منازلها، يقدّم ما شاء منها، ويُؤخّر ما شاء، قدَّر المقادير قبل أن يخلق الخلق، هذا كلّه داخلٌ فيه، وقدَّم مَن أحبَّ من أوليائه على غيرهم من عبيده، ورفع الخلقَ بعضَهم فوق بعضٍ درجات، وقدَّم مَن شاء بالتَّوفيق إلى مقامات السَّابقين، وأخَّر مَن شاء عن مراتبهم، وثبَّطهم عنها، وأخَّر الشيء عن حين توقّعه؛ لعلمه بما في عواقبه من الحكمة، لا مُقدِّم لما أخَّر، ولا مُؤخِّر لما قدَّم [4] ، فهذا كلّه داخلٌ فيه.