فالدولة تُحكم بأسلوب التحدي، والفساد المقونن، والهدر المنفلت، مع استمرار منطق المحاصصة المفضوح والمبالغة بالشعبويات وليس وفق منطق مواجهة التحديات، وكل ذلك لا يبعث على الثقة.. وما ينطبق على علاقة لبنان بالمجتمع الدولي يسري على علاقاته بالعالم العربي، والسعودية تحديداً. نحن أمام مشكلة مكونة من طبقات، وواحدة من طبقاتها سوء إدارة العلاقة بالعرب، وأخرى أن ثمة منطقاً غرائزياً طائفياً يتصدر المشهد، وهذا المنطق البغيض لا يناقض الدستور واتفاق الطائف والعيش الواحد فحسب، بل يخدم محاور إقليمية بشكل يجعل من لبنان منصة لمواجهات لا يحتملها. ابعد دولة عن السعودية الحجز. ما المعنى من تهديد دول عربية في أمنها والتدخل في خياراتها الاستراتيجية، أو التلويح بزعزعة استقرارها؟ ولماذا يكون على الخليجيين، والعرب عموماً، مساعدة لبنان على ما يواجهه من صعوبات، وهذا المنطق السياسي قائم ومتحكّم؟ إن ما يحصل يتجاوز كونه مصالح براغماتية ضيقة إلى كونه سياسة استراتيجية تعكس خطابا ومشروعاً ورؤية، وكل ذلك يناقض ما قام عليه لبنان وما تقوم عليه مصالحه من العلاقة التكاملية والضرورية مع العرب، والسعودية بوجه خاص، وخصوصاً في لحظة تتكاثر على بلاد الأرز الضغوطات والتحديات والاستحقاقات.
هذا التأثير الديني والأخلاقي - وحتى السياسي غير المباشر - لمرجعية النجف وحوزتها، جعلها محل اهتمام، خصوصاً أنها تشترك في مجموعة من القيم العليا مع دعاة السلام في المنطقة، حيث تؤمن المدرسة النجفية بأهمية حفظ دماء وأموال وأرواح وأعراض الناس، وتوفير الأمن لهم، وضرورة ترسيخ قيم المساواة والعدالة، والبعد عن الظلم والنزاعات الأهلية والطائفية، وكذلك الفصل بين رجال الدين والحُكم؛ دون نسيان تأكيدها الدائم على السلم الاجتماعي واحترام القانون، واندماج المسلمين الشيعة في أوطانهم، وهي خطوط رئيسة كان يدعو لها المرجع الراحل السيد محمد سعيد الحكيم. لذا، جاءت تعزية السفارة السعودية في بغداد، برحيل آية الله الحكيم، لتؤكد أولاً انفتاحها على جميع العراقيين بمختلف تنوعاتهم، ولتعرب عن احترامها للرموز الدينية من المذاهب المتعددة، ولتقول إنها تقف على ذات الأرضية المشتركة الداعية للحوار والتعاون وبناء دولة مدنية آمنة ومستقرة وحديثة، وإنها في سعيها هذا لا تفرق بين مذهب إسلامي وآخر، وإن المرجعيات الدينية ذات الخطاب العقلاني، هي محل احترام المملكة، وتمد معها جسور التواصل والتعاون بما يحقق مصلحة العراق والخليج. ملتقى المرجعيات العراقية الذي عقد في مكة المكرمة تواصلٌ مسبق التعزية في المرجع الحكيم، ليست أولى الخطوات السعودية التواصلية مع مكاتب مرجعيات النجف، فقد سبقتها ترتيبات في سنواتٍ مضت، وخصوصاً إبانَ موسم الحج، حيث تقوم المملكة بتوفير رعاية خاصة لكبريات بعثات المرجعيات الدينية القادمة من العراق، وفي مقدمتها بعثة آية الله السيستاني وآية الله الحكيم، بتنسيق مع الأجهزة الأمنية والإدارية المعنية، وبوجود شخصية سعودية تحظى باحترام وثقة هذه الأجهزة وأيضاً ثقة المرجعيات العراقية، تكون مكلفة بمتابعة احتياجات هذه البعثات في المدينة المنورة ومكة المكرمة، وتذليلِ أي عقبات.
وحتى خلال هذه القطيعة الجماعية، لم يتأثر وجود المصريين (مثلاً) على الأرض السعودية. كما أنه حتى في ظل مواقف وتصريحات استفزازية من جانب بعض المسؤولين في الحكومة المصرية في أعقاب الثورة، حول المساعدات السعودية لمصر، لم تؤثر في استراتيجية المملكة في توفير المساعدة الممكنة لهذا البلد الشقيق. فهي تعلم أن السياسات والحكومات متغيرة، والشعوب هي التي تبقى. ما ابعد دولة في العالم - إسألنا. ولذلك كان طبيعياً (مثلاً أيضاً) أن تقدم الرياض قبل أسبوع من الاعتداء على سفارتها في القاهرة 2. 7 مليار دولار أمريكي، كمساعدات ضرورية لهذا البلد الذي يعيش أوضاعاً اقتصادية متردية، يعلم الجميع أنها مستمرة لأمد طويل. وعندما تكون الرؤية تجاه العلاقات بهذا الشكل، لا معنى لقضية فردية (يمكن أن تحدث في أي بلد)، خصوصاً إذا ما كانت مكشوفة ومفتوحة لمن يرغب في المتابعة والاطلاع والدفاع.
ننتهي إلى نتيجة مفادها، أن هناك العديد من العوامل التاريخية والسياسية، على المستويين الداخلي والإقليمي المرتبطة بموقف سياسي آني له جذور في تاريخ علاقات قطر الإقليمية بمنطقة الخليج. ابعد دولة عن السعودية للمهندسين. وجميعها عوامل قد ساهمت في تشكيل هذا الموقف الرسمي المُعادي تجاه قبيلة "آل مرة" في قطر والذي عادة ما تتم ترجمته في النيل من (المريين) عبر العديد من السياسات والقرارات التي تتم هندستها لهذا الغرض، وكان أخرها القرار الأخير بشأن الترشح لمجلس الشيوخ والذي تمت هندسته بشكل غاية في الاحتراف لضمان عدم تمكن أي من القطريين من (آل مُرة) من دخول مجلس الشورى القطري. ما يعني أننا أمام أزمة ممتدة وان انتهت حالياً إلا أنها مرشحة للظهور لاحقاً مره أخرى ما لم يتم معالجتها داخلياً باعتبارها أزمة مرتبطة بموقف سلبي من نظام الحكم في قطر تجاه أحد المكونات الرئيسية التي تُشكل المُجتمع. مراجع [1] (دليل الخليج الفارسي وعمان ووسط الجزيرة The Gazetteer of the Persian Gulf, Oman and Central Arabia) [2] للاطلاع على قانون الجنسية القطرية رقم 2 لسنة 1961 [3] عائلة من قبيلة آل مرة تروي القتل البطيء الذي واجهته في قطر، العربية، 16-4-2005، [4] قطر تعفو عن سجناء بمحاولة انقلابية بعد وساطة الرياض، سي إن إن، 26-5-2010، [5] The Al-Murrah Tribe in Qatar: Political Impact
إن إنجازات هذه القمة تجاوزت قراراتها كونها أقيمت في دولة عربية خليجية، ولم يكن النجاح عادياً فقد كان مضاعفاً، فالسعودية ممثل العرب في هذه القمة استطاعت أن تثبت للعالم ما هو أبعد من الإنجاز، ومن المؤكد أن النجاحات المتوالية التي ننتظرها من دول أخرى من منطقتنا الخليجية سوف تغير من نظرة العالم إلى هذه المنطقة، فدول الخليج اليوم أصبحت محط أنظار العالم في كل المجالات وسوف يشهد العالم خلال العقود القادمة الكثير من الإنجازات التي سوف تقودها هذه الدول.. وسوف ترون. مقالات ذات صلة الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة