يوم القيامة هو اليوم الفاصل الذي يتبين فيه فلاح المؤمنين وفوزهم، وبوار الكافرين وبؤسهم وخيبتهم حين يأتون ووجوههم مسودة، وذلك أن الله قد أعلمنا عن طريق رسله أن من أشرك حبط عمله، ولكن الكافرين ما قدروا الله حق قدره. تفسير قوله تعالى: (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة... القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الزمر - الآية 61. ) تفسير قوله تعالى: (وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم... ) تفسير قوله تعالى: (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) قال تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:62]. إن الله سبحانه وتعالى يعلم المؤمنين ليزدادوا إيماناً، وينذر الكافرين ليتركوا شركهم وكفرهم؛ وذلك لأنه سبحانه هو الخالق لكل شيء، خالق السماوات والأرض وما بينهما، وخالق الملائكة والجن والإنس والحيوان والجماد، ليس له شريك ولا مؤازر ولا ند في خلق شيء أو ملك شيء أو مؤازرة في عمل أي شيء، فالله هو المنفرد وحده لا حاجة له إلى شريك ولا مؤازر ولا مصاحب، وهو القادر على كل شيء. قال تعالى: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ. أي: فهو الوكيل والقائم والمدبر على كل شيء في الأرض، وهو الذي توكل في خلق السماوات والأرض، ودبر شئونها ورزق أحياءها، وأمات حياتها، ورزق المحتاجين منها خيراتٍ وطعاماً وشراباً، وأصح أجسامهم مدة حياتهم، حتى إذا قضى قضاءه مرض من مرض، ومات من مات بلا مرض، فهو القيوم والمدبر لكل شيء في الكون؛ لأنه الخالق والرازق وهو على كل شيء قدير، لا شريك له ولا ند.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦١) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) ﴾ يقول تعالى ذكره: وينجي الله من جهنم وعذابها، الذين اتقوه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في الدنيا، بمفازتهم: يعني بفوزهم، وهي مفعلة منه. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل، وإن خالفت ألفاظ بعضهم اللفظة التي قلناها في ذلك. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ﴾ قال: بفضائلهم. وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ﴾ قال: بأعمالهم، قال: والآخرون يحملون أوزارهم يوم القيامة ﴿وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾. واختلفت القرّاء في ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة، وبعض قرّاء مكة والبصرة: ﴿بِمَفَازَتِهِمْ﴾ على التوحيد. وقرأته عامة قرّاء الكوفة:"بمفازاتهم"على الجماع.
وإضافَةُ مَفازَةٍ إلى ضَمِيرِهِمْ كِنايَةٌ عَنْ شِدَّةِ تَلَبُّسِهِمْ بِالفَوْزِ حَتّى عُرِفَ بِهِمْ كَما يُقالُ: فازَ فَوْزَ فُلانٍ. وقَرَأ الجُمْهُورُ (بِمَفازَتِهِمْ) بِصِيغَةِ المُفْرَدِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ﴾ الآيَةُ، قالَتْ فِرْقَةٌ: في الآيَةِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، كَأنَّهُ قالَ: "وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ لَئِنْ أشْرَكَتْ لِيُحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وإلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ"، وقالَتْ فِرْقَةٌ: الآيَةُ عَلى وجْهِها، المَعْنى: ولَقَدْ أُوحِيَ إلى كُلِّ نَبِيٍّ لَئِنْ أشْرَكَتْ لِيُحْبَطَنَّ عَمَلُكَ، و"حَبِطَ": مَعْناهُ: بَطَلَ وسَقَطَ. وبِهَذِهِ الآيَةِ بَطَلَتْ أعْمالُ المُرْتَدِّ مِن صَلاتِهِ وحَجِّهِ وغَيْرِ ذَلِكَ.